لا أقرأ ما أكتب بعد كتابته مباشرة فعلتها مرة فمحوت كل ما كتبت، قراءتك لما كتبته للتو تخلق فيك حالة أشبه بحالة تلك الأم تكره وليدها وتحاول الخلاص منه مباشرة بعد ولادته، أعتقد أنها حالة من الشعور بالانهيار اللاواعي بما فيه الكفاية لتناقضاته وتحولاته التي تشي بالتدهور والتيه وفقد الشعور بالاتزان، وربما حالة من الفصام بين ما حدث أو ما سيحدث دون قدرة على إدراك الفرق بينهما بعد. ولذلك فإن قرأت ما كتبت فيما بعد بعين فاحصة فأنا أستطيع صياغته بالطريقة التي تناسب وعيي به.
تفزعني تلك المسافات الفارغة البيضاء بين السطور وكأنها حفر موقوتة تؤذن بسقوط حتمي للأفكار، وبما أنه لا معنى لشيء لا يستوعب آخره، فما الذي ستخبئه الأيام على هذه الخارطة الحبيسة للأرض وهي تتوجع بمآلات الجشع وسوءات الاقتصاد العالمي، وهو ينحني لتبعات الحروب ومديونياتها التي تدفع ضرائبها شعوب بينما تخرب رأسماليات أخرى جماليات العالم.
أسعى إلى قدح كل شرارة قلبي لأعيد ترتيب ذاتي بكثير من الاستقلال دون تأثر بتجربة بؤس عابرة ولا أي خبرة واهنة.
وبرغم أزقة عمري المليئة بالمنعرجات فهناك تحولات لا أدركها، إلا أنني أمعن في السير نحوي حتى آخر خطوة في أضيق منعرج ودرب لأصل إلى ما يمكنني تفسيره لذاتي المتسائلة كلما التوى بها منعرج من تلك الدروب محاولة إيجاد معادلة معقولة للغز المتاهة الشخصية القدرية.
مرهق ومستفز ذلك البحث المتفائل عن الممكن في أنحاء المجهول بكل عتماته.
إنه الاندفاع المغامر بالممكن نحو ما لا يمكن دون قيود. كيف أتجرد من حالة الزمن ونمطية الموروث وروتين التقاليد وكل ما يعوق إنسانيتي أو فطريتي وبدائيتي إذا لم أغامر؟.
- هدى الدغفق