رمضان جريدي العنزي
منظومتنا التعليمية بحاجة ماسة إلى تبني مقولة «الحضارات لا تبنى بالكم وإنما بالنوع»، هذه المقولة يجب أن يتم تأملها بعناية من قبل القائمين على منظومتنا التعليمية بشقيها النظري والمهني كافة بكل أشكالها وأنواعها وصيغها، عليهم المضي إلى الأمام بكل قوة وتحدٍ وصلابة أكثر من أي وقت مضى، وعليهم أيضاً تهيئة الأجواء لمرور حشود الفاعلين المميزين أكثر من حشود الكسالى، بشكل يلائم الاهتمام الذي يستحقونه، عليهم أن ينسوا ضوضاء الكم ويحيلوا هذا الضوضاء إلى مشروع نوع، من أجل مستقبل مشرق كما نريد ونبتغي ونأمل، إذا أردنا ذلك علينا الابتعاد عن الشعارات بطرق براقة ورنانة، بل بمنظور العلم الذي غدا من أكثر العوامل تأثيراً في الحياة المعاصرة وحضارتها، بمعنى أن الغد لن يكون بهيجاً ما لم نتحوط له بإجراءات تعليمية عقلانية وموضوعية بعيداً عن الواقع الراهن الذي هو بطبيعته غير مجدٍ وغير فعال، إن العبرة ليست بكم الشهادات التي نمنحها للخريجيين كل عام، بل بعدد الذين سيكون لهم دور فاعل في بناء الوطن وصناعة الحياة التي نرغب، وأكاد أجزم أن أنتاجنا من الكفاءات الوهمية لو تواصل كما هو الحال عليه اليوم كفيل بتخريب ليس الحاضر فحسب، بل حتى المستقبل، وأظن أن هذه المشكلة لم تعد بحاجة إلى توصيف أو إسهاب، إذ صارت ظاهرة واضحة للعيان، بل وتذوقنا بعضاً من ثمارها غير الناضجة، متمثلة بآلاف من الطلبة الذين لا يجيدون كتابة عبارة واحدة سليمة، ولا يفرقون بين الـ «ظ» و»ض»، ومع ذلك أشرعت الجامعات أبوابها على مصراعيها لاستقبالهم، ومثلهم من المتخرجين الفنيين الذين لا يصلح غالبيتهم للعمل في الميدان نتيجة القصور في التدريب والتأهيل الصحيحين، وفي أحيان كثيرة غدت مخرجاتنا مثار تندر حتى من الذين لم يتلقوا تحصيلاً علمياً، نعرف أن التعليم الأولي يجب أن يكون متاحاً للجميع، لكن ذلك لا ينطبق بالضرورة على التعليم العالي الذي يفترض أن يقنن وأن يمنح لمن تتوفر فيهم المؤهلات والقدرات والمواهب فقط، لذا يجب على منظومتنا التعليمية مجاهدة التعثر الحاصل وذلك بالتحويل الفوري من مخرجات الكم إلى مخرجات النوع، حتى يكون التأهيل الحقيقي للفاعلين المميزين لممارسة أدوارهم الفاعلة التي يمكن أن تسهم في عملية البناء التي تحتاجها بلادنا اليوم، أن العمل على التغيير في المنظومة التعليمية يحتاج إلى شجاعة وقوة إرادة، وأعرف تماماً أن معالجتها أمر فيه من الصعوات الكثير من التداعيات، لكن لا بد من الكي وأن أوجع، لأن بلادنا الناهضة بحاجة لعقول مبدعة ومنتجة وفعالة تعتمد عليها في النهضة والتوجه والتخطيط، وليس لأشباه متعلمين وحشود كسالى.