د. عبدالرحمن الشلاش
اعتدنا هنا في المملكة العربية السعودية ومنذ عقود طويلة أن كل أمر طارئ لم يألفه المجتمع النامي، أو لم يتعود عليه تنصب له حلبات ليتصارع عليها القوم. ليست حلبة حوار بناء هادف للوصول إلى كلمة سواء، وإنما حلبة مصارعة تتناوب فيها الأطراف المتخالفة الاتهامات مع تبهيرها بأبشع الألفاظ واللي ما يشارك يتفرج، أما العالم خارج الحدود فيتفرج ما شاء له أن يتفرج ثم يضحك إلى أن يستلقي لأنه قد تجاوز تلك الأمور من أزمنة بعيدة ولم يعد لديه فسحة من الوقت كي يضيعها في أشياء صارت من مسلمات حياته، ومن أساليب عيشه وترفيهه، أو من وسائله التي تساعده على الحراك والتنقل والعمل وممارسة الحياة الاجتماعية بكل أبعادها دون منغصات وكبت للحريات.
حلبات قيادة المرأة للسيارة والسينما وعمل المرأة في بعض المواقع والاختلاط في الأماكن العامة وغيرها اختفت مؤقتا بعد أن أقرت الحكومة رؤية جديدة للترفيه وبموجبها أنشئت هيئة الترفيه فنصبت حلبة الترفيه ليتصارع عليها القوم وقد يطول صراعهم لينتهي الأمر إلى نتيجة يعرفها الراسخون سلفا.
منذ صدور الأمر الكريم بإنشاء الهيئة والمحرومون من الترفيه من الناس متوسطي الحال ينتظرون خطط الهيئة وبرامجها بينما هي في حالة تأسيس وبناء أما البقية من المصطفين في طابور الضد فهم في حالات من التوجس والتحفز ينتظرون ماذا ستنتهي له الخطط وما ستؤول إليه الأمور, وبين هذا وذاك إما مرفه ومدلع نفسه لا تهمه هذه البرامج فهو مرفه طوال الوقت في بيته واستراحته ومزرعته، وإما كادح منهك مثقل بالهموم لا يبحث عن شيء أكثر من سكن يحتمي فيه مع عائلته ولباس يستر أجسادهم وأكل يملأ بطونهم.
يبدو أن بدايات الهيئة الترفيهية كانت ثقيلة على البعض حين طرحت فعالية «كوميك كون» في جدة . هذه الفعالية قيل عنها الكثير لذلك أحدثت ردود فعل واسعة ومدوية بل وعنيفة مما جعل الهيئة تعتذر عن ما حدث بوعد أن لا تعودها مرة أخرى، ثم ألحقت الاعتذار بنفي إقامة أي حفلات غنائية نسائية . الاعتذار والنفي يعنيان أن الهيئة «بلعت العافية» وأخذت الطريق من «قاصرها» ودخلت في فترة كمون قد تطول وقد تقصر.
أعرف أنه مهما بلغت بساطة فعاليات الترفيه فإن أصحاب التوجه الأحادي سيجدفون بها إلى شواطئ تغرب فيها شموسها إلى الأبد. كان الأولى بهيئة الترفيه أن تتجنب كل ما حصل بوضع إستراتيجية متدرجة طويلة المدى مقرونة بالتوعية والتثقيف تقطع الخط على المتربصين ومروجي الشائعات.