فيصل خالد الخديدي
يعيش الفن حرًا شامخًا منطلقًا يقتات على الوجدان وصدق الإحساس ويرتقي ويسمو بالفكر فوق كل منطق ويبلغ ذروته في أبعد من أي حس من خلال الحدس، ومتى ما ألقيت أغلال الموضوعية والمنْطَقة والقصدية على حرية الفن ووضعت أسوار وحدود الاشتراطات والتوجيه متى ما كُبحت جماح الإبداع وضاق الخناق على المبدع وأصبح الفنان ترسًا في عجلة استهلاكية.
إن جمالية الفن في حريته وسعة أفقه، وارتفاع السقف المتاح من الإبداع يهب للفنان خيارات أوسع من الخلق الإبداعي المبني على عمق ثقافي وفكري وتقني ينطلق به في فضاء متسع لا يحده حدود ولا تكبله قيود وإذا حضرت الإملاءات والتدخلات على الفنان ضاق به الخناق وتباطأت عجلة حركته الإبداعية وأصبح يقبع خلف أسوار الوصاية والتوجيه والحدود اللا فنية الخانقة لكل إبداع وأصبح الفنان أداة توجَه وتُسير كيفما يراد له وليس كما يريد هو وإبداعه.
ووسط خضم العمل الإبداعي للفنان وانشغاله بمنجزه الفني تظهر كثير من المتطلبات الملحة أمامه من تسويق لأعماله وانتشار لفنه واسمه وتوسع في مشاركاته وتقديم نفسه وفنه بما يليق به سواء على المستوى المحلي أم العالمي وهو ما يحمله عبء لا يمكنه الوفاء به بمفرده أو بصفته الشخصية الذي يتطلب فريق عمل تسويقي واحترافي يدير أمر الفنان التسويقي والإعلامي والإعلاني وهو ما أفرز بعض المؤسسات الفنية التي تتولى التسويق والإدارة الفنية لبعض الفنانين وأعمالهم ولكن تغليب الجانب المادي وتسليع العمل الفني على حساب القيم الفنية والقيم التشكيلية وشخصية الفنان جعل من بعضها موجهًا ومسيطرًا على اتجاه عديد من الفنانين وتسييرهم وفق رؤية المسوق وأصحاب رؤوس الأموال في ضغط وتدخل مباشر حتى في فلسفة العمل وتنفيذه بعقود احتكار لعدد من الفنانين يقدم فيها الفنانون تنازلاً عن كثير من حقوقهم الفكرية والأدبية مقابل التسويق والانتشار بنسب فائدة ضئيلة للفنان وتستمر العقود في تسوير الفنان وتسييره وفق حدود المسوق ورؤية صاحب رأس المال ومتطلبات السوق في استنزاف للفنان وطمس لهويته وشخصيته حتى يفقد كثيرًا من إبداعه بالتبعية للمسوق والتوجيه من صاحب رأس المال وإذا ما فقد هويته وأفلس فنيًا فقد قيمته السوقية كبطاقة صراف آلية فقدت قيمتها بانتهاء تاريخ صلاحيتها.