عماد المديفر
«من أولى المهمات التي أُلقيت على عاتق يوسف ندا باعتباره موفدًا دبلوماسيًّا ومفاوضًا من قِبل الإخوان المسلمين كانت مهمته مع واحدة من أهم حوادث القرن العشرين: الثورة الإيرانية، وعودة آية الله السيد روح الله موسوي خميني»..!
هكذا ذكر «دوجلاس تومسون» نصًّا في كتابه الأخير حول تنظيم الإخوان المسلمين نقلاً عن «يوسف ندا» ذاته، الذي قدم للكتاب مثنيًا عليه، ومؤكدًا صحة ما ورد فيه بقوله إن الكاتب اعتمد «على ما سمعه مني وقراءاته ومتابعاته». وأضاف: «كان أمينًا فيما ذكر».
جنبات الكتاب أبرزت بوضوح تلك الصلة، وذلك الدعم الذي قدمه التنظيم الدولي للإخوان المسلمين لما يسمى بـ «الثورة الإسلامية» في إيران في جميع مراحلها.. خاصة المراحل الأولى من «الثورة» على شاه إيران.. بما في ذلك الدعم والمساندة التي لقيها كل من «إبراهيم يزدي» و»مصطفى شمران» و»قطب زادة» من قبل أفرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في دعم تحركاتهم واتصالاتهم في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في الفترة ما بين 1977 - 1979م.. سواء عبر المراكز الإسلامية والمساجد، أو التجمعات والجمعيات والمنظمات الطلابية للطلبة المسلمين أو للمجتمعات الإسلامية، أو من خلال صلات وعلاقات التنظيم الدولي بمراكز صنع القرار وبالسياسيين والإعلاميين وبأجهزة الاستخبارات الأجنبية.. هذه الجمعيات الأهلية المرخصة، وتلك المنظمات والمراكز «الإسلامية»، بما فيها رابطة الطلبة المسلمين وغيرها.. لم تكن في الواقع إلا واجهات عمل للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.. وهؤلاء القياديون الثوريون الإيرانيون انضموا لتلك الجمعيات والتنظيمات التي أنشأها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وجرى دعمهم من قِبل التنظيم مع علمه الكامل وإدراكه التام بطبيعة عملهم.. ودورهم المناط بهم، وبأنهم مساعدون ومستشارون لـ»الخميني» في الخارج، ومن أبرز عرابي الثورة الخمينية والمسوقين لها عند الحكومات الغربية، وبخاصة عند إدارة الرئيس الأمريكي الديمقراطي «جيمي كارتر».. التي لم يتسنَّ لهم الاجتماع بها قبل الثورة.. ونقل مراسلات الخميني لها، وتلقي رسائلهم للخميني، وإقناعهم به، لولا دعم الإخوان المسلمين وعملهم كضابط للاتصال ومستشار في العلاقات الدولية للثورة الخمينية الظلامية.. لقد نصح الإخوان «يزدي» وزملاءه بأن يعملوا على نقطة ضعف الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الحين.. والمتمثلة في التهديد الذي تتلقاه من الزحف الشيوعي والثورة الحمراء المتمثلة بالاتحاد السوفييتي.. الذي يهدد مصالحها في المنطقة والعالم، وأن الشاه خان الولايات المتحدة بعقده اتفاقيات سرية مع السوفييت، وسعيه لفك الارتباط بشركة البترول البريطانية «الانجلو - إيرانية» كما فعل «محمد مصدق» من قبل، وأنه «مريض» وقد يموت في أي لحظة مما سيجعل الوضع في إيران مضطربًا وغير مأمون، وهو ما قد يشكل تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة وللغرب بعودة «الشيوعيين» و»الوطنيين» للحكم.. خاصة أن «الشاه» قد بدأ العل فعلاً على الاستقلال في نفط بلاده لبيعه لمن يشاء.. وأن «الخميني» هو البديل «الإسلامي» الأمثل والخيار الأفضل للولايات المتحدة لتتعامل معه في المنطقة، الذي سيقف في وجه «الشيوعيين الملاحدة»، وأنه يتعهد بالحفاظ التام على المصالح الأمريكية والغربية وعلاقة إيجابية مع إسرائيل، ولاسيما أن له قبولاً وتأثيرًا دينيًّا على مجاميع الإسلاميين في العالم.. وهي تلك المراسلات التي ذكرتها في مقالتي الآنفة، والتي أفرجت عنها وكالة الاستخبارات الأمريكية قبل عدة أشهر فقط.. والتي كشفت عن تواصل الخميني بإدارة كارتر.. وذكرت صراحة تعهدات «الخميني» تلك دون أن تسمي «الوسيط السري» الذي قام بهذه المهمة.. والمتمثل بكوادر قيادية من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
وكنت قد ذكرت في مقالتي السابقة أيضًا أن عددًا من المحللين النابهين رأوا ضرورة العودة لتلك الوثائق، وربطها بما جاء في وثائق «أبوت أباد» إذا ما أرادوا معرفة «من هو الوسيط السري» الذي ذكرته تلك الوثائق دون أن تسميه، وإذا ما أرادوا تفسير ما وجدوه في وثائق الإخواني الإرهابي الهالك «أسامة بن لادن» التي كشفت ذلك التقدير الخاص الذي يوليه «ابن لادن» وخليفته من بعده «أيمن الظواهري» تجاه إيران.. وذلك التعاون الضمني والدعم اللوجستي والبيني بين القاعدة ونظام الملالي.. خاصة إذا ما علمنا أن تنظيم القاعدة في الواقع ليس سوى إحدى الأذرع العسكرية المسلحة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين؛ وإذا ما استحضرنا - مثلاً - أن يوسف القرضاوي دائمًا ما يردد بأن: «من ثمرات هذه الصحوة ودلائلها الحية قيام ثورة إسلامية أقامت دولة الإسلام، تتبناه منهجًا ورسالة، في شؤون الحياة كلها: عقائد وعبادات، وأخلاقًا وآدابًا، وتشريعات ومعاملات، وفكرًا وثقافة، في حياة الفرد، وحياة الأسرة، وعلاقات الأمة بالأمم، وهي الثورة الإسلامية في إيران، التي قادها الإمام آية الله الخميني سنة 1979م». وأن القيادي الإخواني «أحمد يوسف» والمستشار السياسي في منظمة «حماس» يثني في كل مناسبة على ثورة الخميني التي يصفها بأنها «دولة الأمة الإسلامية»، ومن ذلك قوله بأن: «إيران الدولة نقطة انطلاق نحو الدولة الإسلامية العالمية، التي تنتظم في إطارها جموع الأمة الإسلامية». ويمضي في ثنائه على دولة عمائم الشر والإرهاب: «هي التي لطالما حلم بها الإمام حسن البنا وكل من تولوا قيادة حركة الإخوان المسلمين من بعده. إن إيران في صيغتها الحالية نقطة التكثيف الأوضح.. إنها تختزن الرسالة الإلهية مشروعًا ونظامًا لها، وإنه فعلاً من الإخلاص للإسلام». مؤكدًا سياسات الإخوان تجاه ملالي إيران وأن: «الوقوف مع الدولة الإسلامية في إيران يمثل في تقديرنا الوقوف مع حركة الدعوة الإسلامية من موقع متقدم». وإذا ما علمنا أن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين أرسل الوفود الرسمية للخميني في خضم الثورة في فرنسا قبيل عودته لطهران، وبعيد عودته مباشرة، وإذا ما علمنا أن علاقة الإخوان بالثورة الظلامية في إيران كانت قد بدأت فعليًّا قبل «الخميني»، وذلك عبر أستاذه الإخواني الاثنى عشري «آية الله كاشاني» و»محمد نواب صفوي» مع البنا وسيد قطب.. لتأكد لنا تمامًا أن دولة الملالي في طهران ليست سوالشق الشيعي للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين. إلى اللقاء.