د. أحمد الفراج
من المسلم به أن مركز صناعة السينما العالمية ( هوليوود) تمثل قلعة لليسار الليبرالي، رغم وجود أقلية لا تكاد تذكر من المحافظين، وعندما ترشح ترمب للرئاسة، كان أشرس خصومه من أقطاب هوليوود، والذين لم يوفروا فرصة للحديث ضده إلا واهتبلوها، ومنهم الممثلة العالمية، ميريل ستريب، والممثل، جورج كلوني، ومع أن حفل جوائز الاوسكار كان دوما مسيسا، كما هي معظم أفلام هوليوود، إلا أن حفل هذا العام، الذي أقيم الأحد الماضي، كان سياسيا أكثر منه فنيا، وكان موجها ضد الرئيس ترمب، وقراراته التنفيذية.
حفل الاوسكار، الذي ينقل لأكثر من مائتي دولة، ويحظى بمتابعة أكثر من مليار مشاهد، قدمه الكوميديان جيمي كيميل، الذي سخر من ترمب عدة مرات، بل وأرسل رسالة إلى حساب الأخير على تويتر، وأشار أحد مقدمي الجوائز اللاتينيين إلى موضوع بناء جدار بين أمريكا والمكسيك، وأشار غيره، تلميحا وتصريحا، إلى أضرار العنصرية والإقصاء، وإلى قيم التسامح والعدالة والحرية، وهي القيم التي ترى شرائح واسعة أن ترمب ينتهكها من خلال قراراته، ومع أنه سبق لأهل الفن من السود أن اتهموا هوليوود بالتحيز ضدهم، إلا أن حفل هذا العام كان يحكي قصة مختلفة، فقد تم التركيز طوال الحفل على الممثل الأسمر الشهير، دينزل واشنطن، الذي مازحه مقدم الحفل كثيرا، وأشار له بالامتنان بعض من فازوا بجوائز الاوسكار الراقية، ولم يكن معهودا أن يتم التركيز على شخصية محددة بهذا الشكل من قبل، وماذا بعد؟!
حفل الأوسكار يشمل على جوائز كبرى، وجوائز أقل أهمية، ويبلغ عدد الجوائز الكبرى خمساً تقريباً ( أفضل ممثل، ممثلة،ممثل مساعد،ممثلة مساعدة،فيلم)، وقد منحت جائزة أفضل ممثلة للسمراء، فايولا ديفز، وإمعانا في تسييس الجائزة، وإرسال رسالة لترمب، فقد منحت جائزة أفضل ممثل مساعد للأسمر المسلم، ماهيرشالا علي، وحصد فيلم «مونلايت» على جائزة أفضل فيلم، وهو فيلم يحكي الظروف التي يمر بها المواطن الأسود منذ صغره، وأثر ذلك على حياته، أي أن هوليوود اختارت فيلما يختص بحياة السود، كأفضل فيلم تم انتاجه خلال العام، وليست هذه كل الرسائل السياسية التي أطلقتها هوليوود عبر حفل الاوسكار.
في فئة الأفلام الأجنبية، تم منح جائزة الاوسكار لفيلم «البائع» الإيراني، وكان مخرج هذا الفيلم، أصغر فرهدي، قد أعلن، بعد ترشيح فيلمه، أنه لن يحضر الحفل، احتجاجا على قرار ترمب بمنع دخول مواطني سبع دول لأمريكا، ومن ضمنها إيران، وهكذا منحت هوليوود الجائزة لهذا الفيلم، حتى يتم تسليط الضوء على أحد قرارات ترمب، التي أحدثت جدلا واسعا، ولا أظن أن هناك تسييسا للحفل أكثر من ذلك، ولكن التسييس ليس أمراً سيئاً في نهاية المطاف، فالفن بكل أشكاله، وعلى عكس ما يظن المتطرفون، قد يستخدم لخدمة القضايا الإنسانية، ولتسليط الضوء على قضايا غير عادلة، ويساهم بالفعل في خدمة البشرية، عندما يوظف بالشكل الصحيح، وهذا ما حدث في حفل الاوسكار، الذي وضع إدارة ترمب تحت المجهر، أمام العالم أجمع.