د.علي القرني
الزيارات الملكية التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين إلى بعض دول الشرق تعكس بعدًا إستراتيجيًا مهمًا في السياسة الخارجية للمملكة، والمملكة منذ سنوات وهي تفتح صفحات من التعاون مع دول الشرق، بزيارات منتظمة لليابان والصين وكوريا وماليزيا والهند وباكستان وإندنوسيا وهونج كونج وغيرها من الدول الآسيوية. والملك سلمان -يحفظه الله- يدرك هذا التوجه الإستراتيجي للمملكة، ولهذا فهو حريص على مثل هذه الزيارات المهمة في تطوير العلاقات بين المملكة وتلك الدول. والزيارات الحالية التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين تصب في إطار سياسي واقتصادي يقوي ويوثق من علاقات المملكة مع تلك الدول.
إن آسيا الصين واليابان وكوريا والهند وماليزيا تأتي في مقدمة القوى الاقتصادية في العالم، وتعد من الاقتصاديات الناهضة خلال العقود الماضية، والمملكة حاليًا تعمل ضمن رؤية 2030 إلى أن تكون ذات اقتصاد ناهض ومتطور ومنفتح على اقتصادات العالم، وهذه الزيارات الملكية تمهد لمزيد من تمتين العلاقات مع تلك الدول وغيرها من دول العالم. وأصبحت العلاقات الاقتصادية هي المرتكز الأساسي لعلاقات الدول وسياساتها الخارجية.
وثلاث من هذه الدول التي سيزورها الملك سلمان هي ضمن مجموعة العشرين وهي اليابان والصين وإندنوسيا، كما أن ماليزيا ذات اقتصاد قوي ومتنوع، وتعد ضمن النمور الآسيوية التي تمكنت من بناء اقتصادي متطور وهي دولة إسلامية مهمة تصنع نموذجًا للدول الإسلامية الأخرى، وإذا أضفنا إلى ذلك تركيا التي تعد أيضًا من دول المجموعة العشرين والتقى مؤخرًا خادم الحرمين الشريفين برئيسها رجب أردوغان، مما هيأ وتتهيأ للمملكة أن تنسق وتطور علاقاتها الاقتصادية مع بعض من دول المجموعة.
ولا شك أن هذه الزيارات لها أجندتان، أحدهما سياسية والثانية اقتصادية، فالإرهاب يأتي في جدول أعمال أي أجندة سياسية بين دولتين خلال هذه الفترة المعاصرة التي نشهدها من نمو الإرهاب وانتشاره في كل مكان من دول العالم، إضافة إلى قضايا الشرق الأوسط التي ستأتي لا شك ضمن الأجندة السياسية وتنسيق المواقف المشتركة بين هذه الدول.
ثم تأتي العلاقات الاقتصادية بين المملكة وتلك الدول، حيث ستشهد الزيارات الملكية توقيع اتفاقات اقتصادية وثقافية مهمة مع هذه الدول. وهذه الاتفاقيات الاقتصادية على وجه التحديد هي مرتكز أساسي لهذه الزيارات، نظرًا لأهميتها المشتركة بين الدول، ولانعكاساتها على المواطن العادي في كثير من الأمور البينية في هذه الاتفاقيات.
وإذا نظرنا في العموم إلى السياسة الخارجية للمملكة نجد أن العقود الماضية شهدت تحولات إستراتيجية للمملكة نحو دول الشرق، وخاصة الصين واليابان وكوريا، وروسيا نظرًا لأهمية هذه الدولة على المستوى السياسي، واهتمامها المتزايد بمنطقة الشرق الأوسط. وهذا الانفتاح السياسي والاقتصادي للمملكة مع دول الشرق، لم يأت على حساب علاقاتها وتعاونها الإستراتيجي مع دول الغرب، حيث تنامت علاقات المملكة مع الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية وكندا وأستراليا وغيرها من الدول. وهذه سياسة حكيمة للمملكة في أن تنتهج سياسة فتح المجالات والعلاقات مع مختلف دول العالم، مما يهيء لها أفضل الوسائل لخدمة مصالحها الإستراتيجة وتنمية علاقاتها بما يخدم التعاون والإستقرار العالمي. والمملكة في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- تسعى إلى تسويق صورتها في إطار رؤيتها المستقبلية التي حددتها المملكة في رؤية 2030 التي ترسم معالم منطلقات لاقتصاد سعودي قوي ومنافس دوليًا. ولا شك أن الرؤية الاقتصادية للمملكة ستنعكس حتمًا في علاقات مع الدول الكبرى أو الدول المتطورة/ المتحولة، وما زيارة الملك سلمان لدول آسيوية إلا ترجمة حقيقية لهذا التوجه السياسي/ الاقتصادي للدولة.