د. محمد عبدالله الخازم
«النظرية دلالة على المنهجية بقدر ماهي دلالة على العلمية، فلامنهج في البحث والدراسة لأي موضوع بلا مستند نظري؛ أي بلا صورة كلية عن الموضوع الذي تتجه إليه بالدراسة تأسس عليها طريقة الفهم والتفسير والاستنتاج والأدوات الاصطلاحية لذلك، أي يتأسس عليها المنهج».
هذا الاقتباس من مقدمة كتاب «آفاق النظرية الأدبية: من المحاكاة للتقليدية» لمؤلفه الدكتور صالح زياد، وهو المؤلف السعودي الوحيد الذي رشح هذا العام للحصول على جائزة الشيخ زايد للكتاب العربي. بالرغم أن كون المؤلف كاتب صحافي ومثقف ناقد، فإن موضوع الكتاب يتجاوز مجرد موضوع الثقافة العامة، إلى كونه كتاب أكاديمي رصين يطرق واحد من المواضيع الصعبة في محتواها وفلسفتها وتعريفاتها. نحن بحاجة إلى هذا الفكر ليس في المجال الأدبي فقط، بل في جميع المجالات. باعتبار «الحاجة إلى معرفة النظرية وفهمها هي حاجة إلى معرفة موضوع المعرفة من حيث هو دلاله على كل؛ حاجة إلى معرفة الجزء معرفة تجاوزه إلى الكل الذي يندرج فيه».
هذا الجانب؛ أقصد إجادة البحث في والتعرف على النظرية المفسرة للجزء، هي أحد أكبر نقاط الضعف، بالذات في العلوم الإنسانية. و بسبب ضعفنا فيه نحن عاجزون عن تطوير نظريات محلية أو عربية في الإدارة، في التربية، في الإقتصاد، في الأدب وغيرها، رغم كونها مواضيع مرتبطة بالثقافة والحضارة في حالات كثيرة. شخصياً، مرت علي بحوث في التعليم لم يرق لأصحابها رأيي، حين أجيبهم صراحة بأن حجم العينة والتوصيات ليست كافية لتميز بحث أو إجازة رسالة علمية، مالم يصاحبها عمق في فهم النظرية التي يستند إليها البحث.
بل ويعتبرون التفكير في النظرية عيباً، في بعض الحالات. إدارياً، مثلاً، وجدت إحدى طرق قتل بعض الأفكار الحديثة أو المختلفة هي إلقاء تهمة التنظير عليها، فيقال هذا كلام نظري أو ليس المجال هنا للنظريات، لتقليل قيمة الفكرة وخنقها قبل بلورة تفاصيلها. يجهل البعض أو لا يستطيع استيعاب أن النظرية هي أساس فهم الفكرة وتصورها العام. لذلك نحن لدينا إشكالية في شرح الفلسفة أو الإطار المنهجي لكثير من قراراتنا وأعمالنا الإدارية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية وغيرها.
المؤلف طرق باباً صعباً في موضوعه، محاولاً فحص النظريات التي تحكم الأدب. وقد أحسن المؤلف بالإشارة إلى أن أحد أسباب تسمية الكتاب «آفاق النظرية» هو الإيضاح بأنه لا يمكن حصر النظريات الأدبية وكل مايدور حولها، فضلا عن التطور الذي يحدث في قراءتها وتفسيرها، ولذلك كان واضحاً بعدم وضع عنوان مثل نظريات الأدب، لأن ذلك سيعني الحصر وهو ما يتنافى مع مصطلح ومفاهيم النظرية الممتدة والمتطورة والمتغيرة.
الكتاب أوضح في مقدمته معنى وأهمية النظرية بصفة عامة، ثم ركز على النظريات الأدبية بحكم تخصصه. وقد جاءت عناوينه الرئيسة؛ النظرية والأدب، المحاكاة، التعبير، الانعكاس، الخلق، البنيوية، التفكيكية، مابعد البنيوية، وتحت كل عنوان تفاصيل أوسع..
تحية للبروفسور صالح زياد على هذا المجهود العلمي المميز. وسؤال أخير يخطر بذهني؛ متى تقدر و تصدر مثل هذه المشاريع الأكاديمية عن جامعاتنا ومنها جامعة الملك سعود التي أهدى المؤلف كتابه لطلابه فيها؟!