د. عبدالواحد الحميد
لا بد أن نصدق أرقام الهدر المذهلة التي أعلنت عنها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة»، فهي جهاز حكومي وتملك المعلومات الكافية، كما أن كونها جهة حكومية يجعلها بمنأى عن تهمة التجني على أجهزة حكومية أخرى.
وطبقاً للتقرير الذي أصدرته الهيئة وأوجزت صحيفة الرياض مضمونه في أحد أعدادها الصادرة مؤخراً، فإن مدينة الملك سعود الطبية (الشميسي سابقاً) قد أهدرت مبلغ 122 مليون ريال وذلك باستئجار مبان تركتها خالية وتخزين أدوية راكدة، إضافةً إلى تجاوزات أخرى كثيرة تم ذكرها بالتفصيل.
ومن المفارقات أن هذا التقرير يظهر في وقتٍ يُطلب من المواطنين شد الأحزمة بسبب الظروف المالية للدولة في أعقاب الانخفاض الكبير في أسعار النفط وبرامج الإصلاح الاقتصادي الهيكلي في إطار خطة التحول 2020 .
ويتضح مما جاء في التقرير أن أرقام الهدر تتعلّق بفترة ماضية ربما تكون ممتدة حتى الآن، لكن وجود هذا القدر الكبير من الهدر في جهة حكومية واحدة يوضح لنا مدى الهدر الذي يحدث في الأجهزة الحكومية، ولا يوجد ما يؤكّد أنه تلاشي الآن في تلك الجهة الحكومية أو في غيرها من الجهات.
من المتعارف عليه أن الأجهزة الحكومية، في أي بلد وليس في بلد معين، تفتقر إلى الكفاءة التي قد نجدها في شركات القطاع الخاص. فالجهاز الحكومي غالباً ما تخيم عليه التقاليد البيروقراطية، فتتضخم ميزانياته دون أن يصاحبها إنجاز حقيقي يبرر الميزانيات الضخمة، وقد تختلط الأولويات عند بدء التطبيق فتظل الخطط مجرد حبر على ورق وتستمر الأخطاء وتتراكم بمضي الزمن.
يضاف إلى هذا كله ما قد يقع في الأجهزة الحكومية من فساد، وهو أمر يتكرر دائماً ويتخذ أشكالاً متعددة. ولو تم تقدير التكاليف المالية التي يتكبدها الاقتصاد الوطني بسبب الفساد لرأينا أرقاماً مذهلة عن الهدر تفوق ما قد نتخيله.
أما وقد أقرت الدولة خطة التحول الاقتصادي، وما تم الإعلان عنه في الميزانية الحالية من ترشيد للإنفاق ورفع أسعار بعض الخدمات وفرض رسوم متنوّعة، فإن كل أشكال الهدر المالي في الأجهزة الحكومية يجب أن تتوقف. لعل من إيجابيات الوضع الحالي أن المواطن أصبح يتساءل وينتقد ويطالب بأجوبة على ما يطرحه من أسئلة وذلك بفضل ما أتاحته مواقع التواصل الاجتماعي من مساحة لحرية الطرح دون رقيب إعلامي.