فوزية الجار الله
تأخذك الأيام، تستغرقك التزاماتك وانجراحاتك وعثراتك، ترتشف قهوتك الصباحية وأنت تستعرض جدول أعمالك والتزاماتك، ابتداء من أصغر زاوية في غرفتك حتى أبعد زاوية في أبعد شارع صحراوي يحتل مدينتك..
يشغلك الكثير وأنت ترتشف قهوتك المعتادة كل يوم حتى لم تعد تسأل ذاتك: هل تستمتع بها أم أنها العادة التي لابد منها؟! يشغل ذهنك الكثير: صوت حفارة في بيت الجيران تصم أذنيك كل صباح، ضجيج السيارات في ساعة ثابتة، متكررة خلال النهار أو الليل أو صمت مطبق يحل غالباً في ساعة محددة من يومك الروتيني الممل، كل الأشياء لا مذاق لها، أوراقك متشابهة تجرحك حافتها، هذه أكبر وأقرب ميزة لها في ذهنك الآن ! أقلامك أيضاً متشابهة تزداد جفافاً وتضطر بحركة روتينية آلية إلى الضغط عليها أكثر وأنت ترسم خطاً أو حرفاً استعداداً لمحاولة كتابية تبدأها على الورق ثم تتمها على لوحة المفاتيح لجهاز (الكمبيوتر) الخاص، وإن كنت امرأة كادحة، مكافحة قررت الاستغناء عن الخادمة المنزلية مؤخراً لسبب أو آخر ولم يعد سواك فأنت مضطرة لمساعدة نفسك على متابعة الحياة وجعلها أفضل، فهناك الغسيل الذي تتابعينه بدقة كي لا يتراكم ويصبح جبلاً من نسيج ثقيل يصعب تحريكه، عليك تصنيفه، فهذه خفيفة حساسة تُضغَط باستخدام اليد فقط وهذه أخرى توضع في حوض الغسالة الكهربائية ثم عليك تصنيفها حسب أنواعها وألوانها، وهناك الأرائك والطاولات لابد من معالجتها بالمكنسة الكهربائية ومن ثم قطعة من نسيج خاص لنفضها ومسحها بعناية للتخلص من ذرات الغبار العالقة التي تتراكم عليها يوماً بعد يوم وعليك متابعتها بدقة كي تحتفظي بأسطح لامعة وسجاد صحي نقي وأرضية براقة..
يا للأسى !! وهناك المطبخ وهي المنطقة الهامة جداً التي تستغرق وقتاً هائلاً من وقت سيدة المنزل، إن أردت منزلاً يشع صحة ونظافة فعليك متابعة تاريخ صلاحية كافة التموينات الغذائية أولاً بأول والتخلص من القديم المستهلك واقتناء تموينات جديدة طازجة طالما هناك إعداد للوجبات في هذا المطبخ فلا بد من تلك الإجراءات اليومية المتتابعة، ثم ماذا؟! طاحونة شرسة لا تهدأ.
وهنا يأتي قرار السفر، خطوات الأمل التي تعيد البهجة إلى القلب والروح والذاكرة..
لا أعلم كيف لا يحب البشر بكافة فئاتهم السفر، كيف لا يعشقونه ولا يملون طلبه والحنين إليه؟.. كلما كانت تجربة السفر أكثر بعداً واختلافاً عن بيئتك المعتادة كلما كانت أكثر جمالاً وإثارة وغرابة، تتطهر من خلالها الروح وتبقى الهموم الروتينية والمتاعب بمنأى عنك.. تصافح نظراتك زرقة السماء وترتفع همساتك لتصافح أعلى هامات الجبال حمداً وشكراً لخالق هذا الكون الذي منحك القدرة على التغيير لتعود بروح أغنى وأجمل وقدرة أكبر على الحب واحتواء الحياة بكافة تناقضاتها، ما بين عذوبتها ومرارتها، مهما بلغت.