غسان محمد علوان
مع توالي الأيام، بدأت منافساتنا الكروية تأخذ طابعاً مختلفاً عمَّا ألفناه. رعاة ومعلنين، مواطنين محترفين ومثلهم من الأجانب، ملايين الريالات تصرف سنوياً لإعداد الفريق وتدعيمه. كل ذلك أجبر بعض الأولويات للتراجع قليلاً، وردود الفعل تختلف بشكلٍ جذري. حب الانتصار والتفوق طبيعة متأصلة في نفوس البشر، ولكن طرق الوصول اختلفت.
في زمن الاحتراف، لم يعد لشرف المشاركة مجال، ولا للأهداف العائمة أو الخطط عديمة الملامح أي مكان.
فعندما تكون مؤهلاً لحصد الألقاب، فالفضة والبرونز هي تذكير لك بفشلك، وليست جوائز ترضية تبث القناعة في نفسك.
عندما تكون مؤهلاً للبطولات، يجب أن يكون طريقك لها واضح المعالم، ويكون فريقك خالياً من أنصاف اللاعبين، خالياً من فاقدي الحماسة، خالياً من ذوي القناعات المتدنية.
والأهم من ذلك كله أن تملك مدرباً يستطيع تفجير طاقات لاعبيك، التي تخفيها بعض العيوب البشرية والاختلافات الطبيعية. وإن لم ير في تلك الأدوات ما يساعده لتحقيق ما أتى من أجله، فيبادر بزراعة ما يريده منهم في دواخلهم فوراً بما يخدمه للوصول إلى ما يصبو. إما بتغيير أدوارهم، أو تغيير فكرهم، أو تقييد تحركاتهم، أو إطلاق عنانهم. فإن لم ينفع كل ذلك، استبدلهم بمن يستطيع ذلك.
ولنا في هذا الموسم خير دلالة بما يستطيع المدرب الحقيقي فعله بنفس التشكيلة تقريباً، مع إضافة عنصر أو عنصرين فقط ليرى ما يتمنى على أرض الواقع. هذا المدرب هو الإيطالي أنتونيو كونتي مدرب تشيلسي الإنجليزي.
فهذا المدرب انتشل تشيلسي من المركز العاشر الموسم الماضي، إلى تصدر الدوري الإنجليزي الممتاز بفارق 10 نقاط (حتى لحظة كتابة هذا المقال)، بأداءٍ ثابت وشخصية قوية مهيبة للكبار قبل الصغار.
فقبل كونتي، كان دييغو كوستا الشمراني سبباً للصداع، ومصدراً للمشاكل في المباريات أو التمارين. وأصبح الآن بعد احتوائه (وليس إبعاده) ليس مجرد هدافاً للفريق، بل محطة لاستقبال كل الكرات العالية من حارسه ومدافعيه، ونقطة أولى لبدء الهجمات قبل إنهائها.
وقبل كونتي، كان بيدرو رودريقز الدوسري لاعباً نشطاً بلا فائدة حقيقية للفريق. بل طالبت بعض جماهير البلوز بإبعاده ووصفت صفقة استقطابه بغير المجدية. وأصبح الآن ركيزة أساسية في أي خطورة للفريق، وصاحب أهداف حاسمة عندما لا تجري الرياح بما يشتهي كونتي.
وقبل كونتي، كان إيدين هازارد الفرج لاعباً ذو إمكانيات عالية لا تترجم في الملعب. حتى أصبح في الموسم الماضي لاعباً محبطاً فاقداً للحماسة، بل باحثاً عن العروض والفرص في أندية أخرى يستطيع من خلالها أن يقدّم كل ما يملك. وها هو الآن نجمٌ لا يشق له غبار في تشكيلة البلوز، بأداء وحماسة لم يكن يملكها نفس اللاعب في الموسم الماضي.
هذه الأمثلة وغيرها الكثير، توضح لنا أن المدرب وحده قادرٌ على تغيير وجه الفريق بأكمله متى ما وجد البيئة التي تجعله يعمل بما يشاء وكيفما شاء برؤية واضحة لتحقيق أهداف الفريق.
ومشكلتنا هنا، أن بعض المتابعين أو الإعلاميين أو الإداريين أو حتى المدربين، يعاملون اللاعبين وكأنهم قد تقدموا لخطبة إحدى بناتهم. فيفتشون عن العيوب كالباحث عن الماء في الصحراء. متناسين بذلك البحث عن مواطن القوة في كل لاعب، والعمل على تفجيرها و الاستفادة منها بشكل كامل، والذي من شأنه أن يخفي العيوب تدريجياً لتبرز المزايا بكل قوة. فالهدف الأول والأخير هو الفوز والبطولات لا شيء غيره. فإن صلُحَ وأجاد الرأس المدبر للفريق، صلح سائر الجسد وتحققت الأهداف.