جاسر عبدالعزيز الجاسر
رغم كل ما بُذل من أطراف وجهات تعمل على عزل العراق عن فضائه العربي وإضعاف هويته العربية وانتمائه القومي الذي يعد أحد الثوابت التي لا يمكن أن يتخلى عنها العراقيون، ورغم استلاب القرار السياسي العراقي في فترات ومواقف عديدة، إلا أن الدول العربية وبالذات دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية لم تفقد الأمل في أن يتصدى العراقيون لكل محاولات أعداء العرب لعزلهم عن أشقائهم وبيتهم العربي الذي يُعد العراق من أهم أركانه.
العراقيون قارئون للتاريخ وخير من يتمعن في أحداثه وواقعه المعاصر وحتى التي مضى عليها قرون عديدة، وبالتالي يعرفون من هم الذين يسعون للخير ويعملون معهم وفق نية صادقة وليس لتحقيق أطماع شعوبية وعنصرية وحتى مذهبية ومن هم الذين فرضوا حروباً على العراق وأرادوا استلابه والسيطرة عليه منذ قرون عديدة وحتى عصرنا الحاضر، ومن هم الذين قدموا للعراق فجلبوا له العزة وحتى الهداية والخير والتقدم، فالعراق أعتز بالإسلام وأقام واحدة من أقوى وأهم الدول الإسلامية «الدولة العباسية» كما أن القبائل العربية التي قدمت من الجزيرة العربية التي تعد المملكة العربية السعودية وشقيقاتها دول الخليج العربي والعراق وحتى الأردن وسوريا المصدر الأساسي والموئل الحقيقي للعرب جميعاً وكون القبائل العربية انطلقت من هذه الجزيرة العربية وخاصة «كبدها» وهي المملكة العربية السعودية، ولذا ليس غريباً أن يكون لهذه القبائل امتداد في العراق وسوريا والأردن ولهم أقرباء وأشقاء مع قبائل العرب في السعودية ودول الخليج العربية هذا الامتزاج القبلي والانتماء الواحد لا يمكن أن يمحيه الطامعون والأعداء الذين يسعون إلى فصل العراق عن واقعه العربي، وإن ابتعدت بعض الدول العربية ومنها المملكة العربية السعودية عن العراق لفترة بسيطة عدت طويلة لأهمية وجود علاقة مميزة بين بلدين متجاورين من أصل واحد، ومع أن الابتعاد كان بفعل فاعل يعرفه العراقيون والسعوديون معاً، وهم ممن كانوا يسعون للهيمنة على العراق عن طريق قطع أواصر العلاقة الطيبة بينه وبين الدول الأكثر قرباً منه انتماءً ومصالح.
الآن وبعد زيارة الوزير عادل الجبير تدخل العلاقات السعودية العراقية مرحلة جديدة تستهدف تعديل المسارات بين البلدين للأحسن يستهدف من خلال البحث عن مصلحة البلدين وشعبيهما دون أن يترك لأي طرف أو وجهة أجنبية أن تؤثر على هذه المسارات وهذا يتطلب حزماً في ضبط انفلات وتجاوزات الآخرين المرتبطين بخارج الحدود وهم معروفون تماماً للعراقيين، ومثلما بادرت المملكة العربية السعودية وأرسلت وزير خارجيتها إلى بغداد وبنوايا صادقة وحقيقية ببناء علاقات أخوية متميزة بين بلدين لهما من التاريخ المشترك والمصالح التي تعزز ترابطهما أكثر من غيره من الآخرين نأمل من العراقيين أن يردوا على هذه المبادرة بتحرك يفتح مجالات الخير للبلدين ويغلق أي منفذ لأعداء العرب الذين عمّقوا سابقاً نقاط الخلاف.