عبده الأسمري
في أي مجتمع عندما يحل الكذب ويتجاوز معدله الحقيقي فإن الأمر يحتاج بحثاً وتقصياً مخلفاً الاستغراب والاندهاش وعندما يكون الكذب منصباً على حياة الناس، والكاذبون «مسؤولون» فهنا تسود المعاناة وينتشر الألم وتكون مكافحة الكذب ضرورة وواجباً على الجميع.
الكذبات كثيرة، ولكن بعضها بات مشهوراً حتى وإن نسيه الناس وتعاملوا معه على أنه فساد، لذا أود أن أقول إن الكذب فساد للرأي وكساد للأمانة، ولكن المصيبة أنه يأتي في مجتمعنا كتبرير أو خروج من الإدانة سأستعرض في مقالي اليوم بعض الكذبات الشهيرة:
* خرج مسؤولون في جدة أيام السيول الشهيرة قائلين إننا سنوقف البناء العشوائي، وسنحاسب من تسبب في إزهاق الأرواح.. والنتيجة جاءت كوارث متعاقبة ولا يزال البناء العشوائي أمام البحر ووسط المدينة وعلى مخارجها في حين أن المتورطين في الكارثة ينعمون بالحياة وبمبالغ خزينة الدولة.
* قال مسؤولون تعاقبوا على وزارة العمل إن البطالة ستنخفض، بينما الوزارة تعلن ومصلحة الإحصاءات العامة تجتهد ومراكز الدراسات ترصد بحثاً عن المال بينما في كل بيت «تقريباً» عاطل عن العمل، فهل كان هناك إحصائية حقيقية، وهل انخفضت البطالة أم زادت؟..كذبات متتالية للخروج بتصريحات «تخدّر» الانتقادات.
* تعاقبَ مسؤولون في وزارة الكهرباء وشركاتها الكبيرة.. نادوا طويلاً وتمادوا أطول في كذبات تخفيض فواتير الكهرباء وفي التعرفة الجديدة وفي مواجهة أحمال الكهرباء في الصيف، بينما أهالي المناطق الحارة يستعينون بمكعبات الثلج للشرب ويحتاطون بالشموع حتى في أواسط المدن، بينما الفواتير لا تقل بل تتنافس مع أقساط البنوك.
* تصريحات هي الأشهر والأمهر في الكذب والمراوغة إذا ما تعلقت بصحة البشر، وهي تلك التي نادت بالقضاء على كورونا ومواجهته وظلت الوزارة تهدر الملايين والفيروسات تتهاوى على مستشفياتنا التي باتت نقطة لانطلاقة المرض، وكأنها خارج إطار مكافحة العدوى، فما بال المنازل والأسواق وغيرها.. فالبلديات توعدت بنقل الإبل وهي ترتع وسط المدن والمستشفيات تنادي بالتعقيم للفوز بجائزة الجودة ومقاييس المواصفات بعيداً عن صحة الناس.
* تصريحات رنانة للقضاء على المخالفين والباعة المتجولين، وأنهم مخالفون للنظام وسيتم القضاء عليهم..تمتليء صفحات الصحف بالجولات التي تتصيّد ساحات الجوامع والفقراء الجائلين في الأحياء العتيقة.. فيما لا تزال العطور والأبخرة المقلدة والملابس، بل والأغذية تباع جهاراً ونهاراً في كل المدن وكل يوم والأعداد تزداد والبضائع تتنوع فأين «المكافحة»؟!!
* لجان لمواجهة الرقاة الشرعيين في كل منطقة والخلطات الخطرة في أقرب عطار مزودة بأرقام الجوالات واللجان تجتمع وتنسق، بينما الرقاة تجدهم في كل شارع وسكة، والرقاة يتزايدون، فماذا قامت به هذه اللجان في وقت بات الرقاة الوهميون يجهزون لهم مواقع الإنترنت ويعلنون حتى على بوابات المستشفيات وفي كل مكان.
* تصريحات لا تُنسى لمواجهة ظاهرة حوادث المعلمات والاغتراب وفي كل عام ترتفع الحوادث، ووزارة التعليم لا تزال تخطط وتدرس حلولاً وكأنها ستخترع مسباراً جديداً للفضاء، بينما الحل في تخطيط سليم ومتكافئ بين الرغبات والتعيين ودراسة للعوامل الديموغرافية في المناطق وتوفير تنظيم يضمن تراجع معدلات الاغتراب وحلول من خلال إسكان وحافلات مجهزة للنقل. كل عام والكاذبون مستمرون فمن يقف رقيباً بين القول المكرر والتصريحات المتشابهة التي تعطي أملاً وتقدم حلاً، ولكنها في النهاية كذبات طوال العام وجزء ومعلْم من معالم «العمل الحكومي» لدينا.
ننتظر تصريحات صادقة، فالقائلون «مؤتمنون» والمستمعون «مواطنون» والمنتظرون «أصحاب حقوق» والرقيب ضمير حي لا يحتاط بالتصريحات هرباً من المسؤولية.. والأمانة حمل عظيم سيُسأل عنها كل من تحمّلها وأُوكلت إليه.