د. حسن بن فهد الهويمل
والمراجعة, والتصحيح فيما بين الصحابة جزء من عملية نقل الرسالة, وتنقيتها من أي شائبة.
فحين انقطع وحي السماء بموت الرسول صلى الله عليه وسلم, أصبح الصحابة هم حملة التشريع, ومصدره, وهم الذين يستدرك بعضهم على بعض.
وإذ تعقب بعضُ الصحابة بعضاً في تدارك النقل, والعمل على صحته, فقد تعقب القرآن الكريم بعض أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم, التي باشرها بإمكانياته البشرية، ولم يَرْتَبْ أحدٌ في قول الرسول, أو فعله, أو إقراره، لمجرد أن الله لفت نظره: (عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ), و(وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ), و(مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى)، و(لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ* تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ)، و(عَبَسَ وَتَوَلَّى).
فالرسول صلى الله عليه وسلم (أَذِنَ بالقعود)، و(صَلَّى على رَأْسِ المنافقين, وقام على قبره), و(أَسَرَ مُشْرِكي مكة في غزوة بدر وأخذ الفِدَى), و(حَرَّمَ على نفسه ما أحله الله، لإرضاء زوجاته)، و(أَبْدَى امتِعاضه من ابن أم مكتوم، حين جاءه وهو يجادل صناديد قريش).
وكل تلك الأفعال استُدِركت على الرسول، ولم يقل عاقل بمراجعة تشريعاته, بعد وفاته.
والمتفق عليه أن الرسول لحق بالرفيق الأعلى, وليس فيما قال, أو فعل, أو أقر ما يستحق المراجعة.
ونحن نقول إن استدراكات (عائشة) رضي الله عنها، على الصحابة -رضوان الله عليهم- من هذا القبيل, وذلك لكيلا يُتلقى عن أحد من الصحابة ما يخالف مقاصد الشريعة.
وما نقب عنه (كمال الحيدري) في كتب السلف من استدراكات, أو ملاحظات على (أبي هريرة), أو غيره يدخل في هذا الباب.
ومن قبله ألف بعض علماء السلف, كتاباً فيما استدركته (أم المؤمنين عائشة) رضي الله عنها على (الصحابة), ولم يَرَ أحدٌ من الخلف في شيء من ذلك قدحاً في عدالة الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً.
وعند (أبي داود) تهديدُ (سلمان) لـ(حذيفة) بالرفع لـ(عمر) إن لم يكف عن رواية بعض الأحاديث المؤدية إلى الشحْناء بين الصحابة.
علماؤنا الأوائل وسعت كتبهم الحقائق العلمية. وثقتهم، وإيمانهم بصحة ما هم عليه, حملهم على نقل ما يثقون بصحته, وإن كان مغرياً لضعفاء النفوس، ورقيقي الإيمان.
لقد أكبرتُ المصداقية، وقول الحق عند سلفنا الصالح، وعند من أقتدى بهم من الخلف، وإن لم يوافق ما يقولون ما أهوى. فالمصداقية أولاً, وما تهواه النفوس دون ذلك.
فـ(ابن العلقمي) الوزير الشيعي للخليفة (المستعصم) -على سبيل المثال- أجمع علماء السلف -أو كادوا- على أنه المدبر، والممهد لغزو (التتار) لبغداد. ولم يتردد (باحث سني) عن تبرئته مما ألصق به. وما من أحد ضاق بهذه الشهادة.
فـ(أهل السنة، والجماعة) همهم إحقاق الحق، وقول الصدق، وإن نسف ذلك بعض المسلمات التي توارثها المؤرخون كابراً عن كابر.
وبهذا، لا قيمة لما حشده (كمال الحيدري) من أقوال حول (أبي هريرة).
ربما تؤدي مفترياته على الصحابي الجليل (أبي هريرة)، بعض ما يريد عند السَّماعين الذين لمَّا يدخل الإيمان في قلوبهم. وهؤلاء الذين مردوا على النفاق، غثاء كغثاء السيل، يذهب جفاء, ولا يمكث في الأذهان إلا ما ينفع الناس.
ثورة الاتصالات، والانفجار المعرفي, أغرى المتعصبين بالتنقيب عما يَعُدُّونه موهناً للعزمات، ومشككاً في اليقينيات. وما كنت في استدراكي مجارياً في الأخلاق الدنيئة، ولا متعمداً توسيع هوة الاختلاف.
المرحوم (محمد عبده يماني) قطع قول كل خطيب, بحيث توصل بواسطة التقنية الحديثة إلى أن (أبا هريرة) انفرد برواية (ثمانية أحاديث) فقط, فيما شاركه فيما سوى ذلك رواة آخرون.
ما نوده من (شيعة العرب) أولاً: العودة إلى (مذهب التشيع) قبل تسييس الطائفية، و( أدلجتها) على يد (المعز العبيدي), و(الفاطميين)، وقبل قيام (الدولة الصفوية), التي حكمت (إيران) في مطلع القرن العاشر الهجري. وكانت قبل هذا التاريخ سنية. وكان التشيع قبل الحكم الصفوي، مذهباً منسجماً مع سائر المذاهب الإسلامية.
وما نوده من (شيعة العرب) ثانياً: الخلوص من التبعية لمحدثات (الخميني)، ومن (اللعب السياسية) التي فرقت المجتمعين.
أحسب أن من مصلحة (شيعة العرب) الخلوص من هاجس (الإمبراطورية الشيعية).
فـ(السنة) وإن وهنوا, وتنازعوا، وفشلوا تبقى جرثومتهم كـ(صخرة الوادي) إذا ما زوحمت.
وما نوده ثالثاً: إدراك أن هاجس (الفرس المجوس) كسر شوكة العرب: (سنة، وشيعة) وإن تقنعوا بالطائفية، وتمترسوا خلف الدعاوى الكاذبة.