ناصر الصِرامي
بحسب منظمة الشفافية الدولية -والتي تشتهر عالمياً بتقريرها السنوي مؤشر الفساد، وهو قائمة مقارنة للدول من حيث انتشار الفساد حول العالم. وتنطق من برلين، ألمانيا، بحسب تقريرها الأخير- فإن «الفساد المتفشي في العديد من الدول، يغذي ويشجع جهود منظمات إرهابية مثل داعش في تجنيد مجموعات من الساخطين على هذه الأوضاع، مشيرة إلى أن هذا الفساد يؤدي أيضا، في جانب آخر إلى إضعاف مؤسسات الدولة، بما يجعلها غير قادرة على مواجهة التنظيمات والجماعات المتطرفة».
وهو ربط عام في تصوري من منظمة دولية معتبرة، صحيح ان «الفساد» امر كارثي جدا، وهو سبب لتخلف الامم مهما حاولت التقدم، إلا أن اشارة التقرير الصريحة إلى أنه «لن يكون ممكن أبداً هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ما لم يتم التعامل مع الظروف الفاسدة التي تساعد التنظيم على النمو والتمدد». هو أيضاً يمنح التطرف سبباً للوجود، يختلف عن السبب الايدلوجي الاساس لهذه الجماعات.
يتهم التقرير حكومات الدول الغربية، بما فيها المملكة المتحدة وأمريكا، بتجاهل الفساد كمحفز رئيسي يؤدي إلى انتشار الإرهاب، وخاصة في الشرق الأوسط. ويدعو هذه الحكومات إلى الضغط بدرجة أقوى من أجل ضمان المحاسبة فيما يتعلق بالميزانيات العسكرية.
وهذه الدعوة لا تتجاوز الجانب النظري وحسب. لم يعبر التخاذل الغربي لدحر داعش، او يجعله سببا اكثر من كاف لتمدد التنظيم، الذي يعمل دون تهديد حقيقي من القوى الدولية عينها التي اشار اليها التقرير.
تقرير منظمة الشفافية الدولية، والذي يحمل اسم «المحفز الكبير»، يرى أن (داعش) استغل الفساد لنشر التطرف والتجنيد، مقدما نفسه على أنه العلاج للفساد، بينما يغرق هو نفسه في ممارسات فاسدة، لكنه -التقرير- نسي عن عمد ربما وضع الدول الفاشلة التي ينشط فيها التنظيم..!
وينقل التقرير عن «كاثرين ديكسون»، مديرة برنامج الدفاع والأمن في منظمة الشفافية الدولية قولها إن الفساد هو الصرخة التي يجمع بها التنظيم المؤيدين وتدعو الى إعادة التفكير في العلاقات مع أمثال مبارك (في مصر)، والقذافي (في ليبيا)، والمالكي (في العراق) الذين سوف يظهرون في المستقبل. وتشدد» الفساد تهديد أمني حقيقي، وأكثر من مجرد وسيلة تتبعها الصفوة لملء جيوبها»، وتضيف «إن الحكومات الفاسدة، في النهاية، تسهم في تأجيج غضب الناس وتقويض مؤسسات الدولة».
لكن مهم صراحة التقرير عند الحديث عن وضع الدول العربية-التي داهمها ما سمي بالربيع العربي- فقد توصلت دراسة -مثلا- «الى ان حالة للوضع في ليبيا ما بعد الثورة، إلى أن المرحلة التي أعقبت الثورة والتي شهدت تزايدا في عدد الجماعات المسلحة، لم تشهد انخفاضا في معدلات الفساد، وضمن 150 مقاتلا سابقا وحاليا في صفوف الجماعات المسلحة استطلعت المنظمة آراءهم، قالت نسبة الثلثين إنهم لا يرون اختلافا في معدلات الفساد، بين مرحلة ما بعد الثورة وعهد القذافي».
الا ان التقرير يشير الى ان» أعضاء الجماعات المسلحة أنفسهم، يستخدمون الفساد في تحقيق أغراضهم، عبر عمليات تهريب للمخدرات والأسلحة، وتقديم الرشاوى للمسؤولين في ليبيا ومصر، بهدف تسهيل هذه العمليات، في حين يعيش قادة تلك الجماعات حياة بذخ ويركبون السيارات الفارهة».
نعرف اليوم انه وبرغم من كل «لعنات الفساد»، لكنه-ايضا- ليس السبب الوحيد الذي توظفه الجماعات الارهابية الاسلامية في تحقيق أهدافها، بل ان استخدامه اليوم لتجنيد وعمل الارهابيين والتمويل يحوي كل انواع الفساد، الا الفساد المالي والاداري الذي يعنيه التقرير... لكن بالتاكيد لا يمكن تجاهله مقدماً.