أ.د.عثمان بن صالح العامر
مساء السبت الماضي، جلست أفكر في موضوع أكتب عنه مقال اليوم، كنت أمر سريعا على الجديد من تغريدات تويتر، استوقفني خبر: (الأجهزة الأمنية في محافظة جدة تزيل «أقفال الحب» من حواجز الكورنيش)، بصراحة لم أصدق الخبر، الأمر الذي دفعني إلى البحث عنه في الصحف الإلكترونية الأخرى فوجدته منشوراً في جلّها، ساقني الفضول لمعرفة الحكاية من أولها، فبحثت في Google عن هذا النعت « أقفال الحب»، وإذ به ليس جديداً في حياة العاشقين.
لقد بدأت الأقفال توضع على الجسور والحواجز القريبة من الأنهار والبحار منذ ما يزيد على العشرة الأعوام، حيث يكتب العاشقان اسميهما على القفل من الجهتين ثم يعلقانه مقفلاً في الجسر أو الحاجز ويرميان المفتاح في البحر تيمناً ببقاء حبهما مغلقا عليه إلى الأبد، وعدم انكسار قلبيهما يوماً ما، أو زوال عشقهما من مكانه لأي ظرف من الظروف، أو فتح ما أوصداه بإرادتهما من جديد.. فالمفتاح قد استقر به المقام في ظلمات البحر اللجّي.
هذه الرمزية المغرقة في الفلسفة انتقلت حتى وصلت إلى جدة، وهي في الحقيقة لا تعدو أن تكون أثراً مشاهداً يحكي قصص عشق وروايات حب وصلت لدرجة من اليقين القلبي لدى أبطالها من الجنسين حتى ولدت القناعة لديهم بأنها قابلة للخلود الأبدي حتى النهاية.
لا اعتراض على ما قامت به الجهات الأمنية، ولكن يوماً بعد يوم تزداد قناعتي بأهمية وجود مراكز دراسات واستشارات متخصصة ترقب التحولات المجتمعية، وترصد الظواهر الشبابية، وتعرف التجاذبات القيمية العالمية منها والمحلية، فنحن في ظل غياب مثل هذا النوع من المراكز ذات الاختصاص سنظل بين الفينة والأخرى نشهد شيئاً جديداً لا نعرف كيف نتعامل معه، وما الآلية التي يجب اتخاذها لكبح جماح هذه النزوة الطارئة والتقليعة الجديدة.
شخصياً تمنيت أن ينبري باحثٌ في الشأن الاجتماعي فيقف عند كل قفل ويقرأ ما هو مكتوب عليه، وإن أمكن أن يتواصل مع طرفيه ليسمع شيئاً مما أقفل عليه هؤلاء العشّاق قلوبهم حتى تكتمل الحكاية ونعرف ما سر هذه المحاكاة والتقليد، ولماذا كان هذا السلوك والتجديف، فربما سطّر هذا المتخصص تاريخاً جديداً مسكوتاً عنه يغني عن حكايات العاشقين التي يجترها كتّاب تاريخنا العربي حتى اليوم، وجزماً سيوصله بحثه المتجرد والموضوعي إلى الأسباب الحقيقية التي تقف خلف هذه الأقفال المعلّقة على حواجز الكورنيش، كما هو الحال في (جسر «بونت دي أرت» على نهر السين في العاصمة الفرنسية الذي يعد من أشهر جسور المشاة في باريس، وملتقى العاشقين، وجسر «هوهنزولرن» في كولونيا الألمانية على نهر الراين «جسر المحبة»، وفي العاصمة الروسية «موسكو» جسر «لوزكوف»، وفي مدينة روما الإيطالية جسر «بونتي ميليفو» على نهر التيبر، ووسط صربيا توجد بلدة تسمى «فرنجاكا بانيا» يمر بها نهر صغير يحمل اسم البلدة نفسها صار جسره مقصد المحبين الذين يضعون أقفال الحب ويرمون المفاتيح في النهر، وهناك جسر «الملك تشارلز» في حي مالا سترانا بمدينة براغ التشيكية حيث يمر نهر فلتافا، أما في الولايات المتحدة الأمريكية فالأشهر على الإطلاق هناك جسر «بروكلين» في مدينة نيويورك، مع أن الحكومة هناك تعمل على إزالة الأقفال بين الحين والآخر مخافة أن ينهار الجسر).
إن للشباب والفتيات اليوم ثقافتهم وطقوسهم ورؤيتهم للأشياء من حولهم، فهل نستطيع أن نكشف عن معالم تكوينهم الثقافي وهويتهم الفرعية حتى يتسنى لنا توظيف ملكاتهم وقدراتهم ومعارفهم فيما يحقق المصلحة الوطنية المبتغاة .. أتمنى ذلك، دمتم بخير، تقبلوا صادق الود، والسلام.