د. جاسر الحربش
تقول طرفة غربية: المسؤولون يحاربون الفساد لأنهم يكرهون المنافسة في ميدانهم. معاذ الله، الطرفة لا تنطبق على المسؤولين في البلدان العربية، وإن أي وجه شبه بين الطرفة وأي مسؤول عربي مجرد صدفة نادرة. المسؤولون الغربيون هم من تنطبق عليهم الطرفة، ولذلك يقولونها عن أنفسهم، وبما أنها لا تنطبق علينا لم يقل بها عندنا أحد.
في مؤتمر القمة العالمية للحكومات الأخير في دبي وقف الشيخ محمد بن راشد للسؤال والجواب. أحد الأسئلة كان عن الفساد في العالم العربي، وكانت الأرقام مخيفة. مما قاله أن الفساد في بعض البلدان العربية شيء طبيعي، لأن الفاسد يعتبره من حقه. الشيخ محمد قال أيضاً، الفساد هو أن يكلف المشروع ألفاًً، مائة للمشروع وتسع مائة للمسؤول عن المشروع. قال أيضاً، أول مظاهر الفساد يلاحظها المستثمر الأجنبي في المطارات، رشوات وتسهيلات مرور ونحن لا نستثمر في مثل هذه البلدان.
أقول الله المستعان، في كل مطار عربي تزوره لابد من تزييت الأيادي قبل المرور إلى داخل البلد مما يجعل باستطاعتك تمرير كل محتويات مغارة علي بابا والأربعين حرامي. لكن الحق يقال، لا توجد في المطارات السعودية مظاهر فساد منظور، ولكن توجد وجوه عابسة وموظفون مناكيد وجيوش من البنغال والهنود ينقلون عفشك بمثل لمح البصر إلى الصفوف الأمامية للوزن مقابل عشرين ريالاً فقط لا غير. إذا خدم الواحد منهم مائة مسافر في الوردية الواحدة يحصل على ألفي ريال. اضربها في ثلاث ورديات ثم انظر إلى الناتج في عدد الأفراد تخرج بعشرات الألوف. أين تذهب كل هذه النقود، بالتأكيد ليست لحامل العفش. في دول العالم المنضبط هناك صف عربات مدولبة مربوطة بسلاسل، وما عليك سوى إدخال قطعة نقدية صغيرة في ثقب السلسلة فتحصل على العربة وتنقل عفشك بنفسك نحو الكاونتر، والفلوس تذهب لتوفير العربات والصيانة. التكسب على حساب المسافرين ممنوع.
ليست المشكلة في المطارات فهذه تهون، وهذا من نوع الفساد الأصغر. الفساد الأكبر تبدأ معالمه بعد مغادرة المطار، في حفر الشوارع ومستنقعات الأمطار وفوضى المرور، انتهاءًً بما ذكره الشيخ محمد بن راشد بقوله: المشروع يكلف ألف، مائة للمشروع والباقي للسلسلة الغذائية منذ الترسية حتى الاستلام. ربما ليس الموضوع الذي وصفه الشيخ محمد مائة إلى تسع مائة هو الموجود عندنا، ولكن الفساد تطلب إنشاء هيئة لمكافحته منذ سنوات وما زالت مكانك راوح والفساد يقهقه ملئ أشداقه الواسعة.