عبد الله باخشوين
دائمًا كنت وما زلت أعتقد أن ملحمة (توحيد الجزيرة) على يد القائد الموحد الملك عبدالعزيز رحمه الله تستحق أن تسجل ويعاد سرد أهم مفاصلها في فيلم تاريخي ملحمي من النوع الذي أخرجه المخرج البريطاني ديفيد لين عام 1962 عن (لورانس العرب).. وتواصلت رؤيته الملحمية في أفلام مثل (دكتور زيفاكو- 1965) و(ابنه ريان 1970) و(الطريق إلى الهند 1984) وغيرها.
هذه الرؤية التي استلهمها المخرج المصري مصطفى العقاد في فيلم (الرسالة) و(عمر المختار) وقد فوتت (الجهات) التي اقترح عليها العقاد فكرة إنتاج وإخراج فيلم عالمي عن الملك عبدالعزيز وملحمة التوحيد فوتت الفرصة حينما استكثرت أو (استهولت) المبلغ الذي اقترحه العقاد كـ(ميزانية إنتاج) بالرغم من أن (المبلغ) قليل مهما بدا (رقمه) عاليًا لأن الفكرة تقوم على تصوير نسختين عربية وعالمية بمشاركة ممثلين أجانب مشاهير من طبقة أنطوني كوين.
وقد كان نجاح الإنتاج مضمونًا مع مخرج متمرس خبر العمل في الصحراء وأخرج فيها الرسالة والمختار كأعظم أثرين بقيا له رحمه الله ولو أن حياة الملك عبدالعزيز ظهرت في فيلم من ذلك المستوى المقترح في ذلك الوقت أي في نحو عام 1982.. فإن عليك أن تتخيل مجموع (عوائده) حتى الآن سواء من الناحية المادية أو من الناحية التربوية والتعليمية لمختلف أجيال أبناء الجزيرة العربية.
تأتي هذه الذكرى - دائمًا - عندما تعود بي الذاكرة لبعض ذلك الزمان الذي عشناه نحن - جيل الوسط - في أحد جوانبه البسيطة التي تتعلق بـ(السفر) والتنقل بين مدن المملكة في طرق صحراوية وغير مسفلتة أو حتى معبدة.. وفي ظروف وإمكانات تعد سعيدة أو مرفهة قياسًا بظروف الرجال الذين خاضوا ملحمة التوحيد تحت قيادة الموحد -رحمهم الله جميعًا.
ففي تلك الظروف (السهلة) كنا نسافر من الطائف إلى مكة المكرمة في سيارة تسمى (هبلكاش) من الصباح الباكر ولا نصل إلا قبيل الغروب. أما من الطائف إلى الرياض فإن المسافة تحتاج إلى يومين أو ثلاثة حسب خبرة السائق وحسب قدرة (الأتوبيس) على تجاوز كتل الرمال التي عليه اختراقها وتجاوزها.
وذات مرة روى الكاتب الكبير العتيد الأستاذ مشعل السديري شذرات من محاولته خوض هذه التجربة حيث جهز نفسه بسيارة جيب وقرر أن يخوض التجربة وحيدًا في رحلة - ربما أراد أن يحاكي بها مسيرة رحلة التوحيد غير أن الرحلة لم تكتمل مسيرتها وتعطلت سيارته في إحدى المراحل وأسعفه رجال البادية خلال مرورهم وانتهت تلك التجربة عند ذلك الحد.
أما ما كان يرويه لي والدي وهو (جندي سائق) عن مصاعب الطريق التي تواجهه في رحلاته وحيدًا على ظهر الشاحنة من الطائف حتى يصل إلى (تبوك) مثلاً في حكايات مدهشة لا يعادلها سوى رؤيتي لأمي وهي تلحق به لباب السيارة وهي تبكي وتطلب من الله سبحانه أن يعيدة سالمًا.
لكني ما زلت أزعم أن إنتاج فيلم ملحمي عن الملك عبدالعزيز -رحمه الله - وملحمة التوحيد أصبح أكثر سهولة وأقل تكلفة في ظل التقنيات الحديثة وخصوصًا أن كتابة - تفاصيل - مثل هذا الفيلم أصبحت أكثر سهولة في شرح الأفكار والأهداف والغايات. كذلك هو الحال بالنسبة للتفصيل (القصصي) من حيث السرد الروائي الذي يقوم على الإشارة والاختزال والتركيز على المفاصل الجوهرية في رحلة ذلك الفتح العظيم.
وعمل مثل هذا يجب أن يبدأ من معاناة مراحل البحث عن النفط حتى مرحلة استخراجه والدور السياسي للموحد وإكمال المسيرة مع العودة للماضي وبحث مراحل بداية المسيرة كنوع من (الفلاش باك) الذي يربط كل التفاصيل التي تكمل مختلف جوانب المملكة.