د. أحمد الفراج
كتبت مقالات كثيرة عن الرئيس دونالد ترمب، وكيف أن الإعلام كان منحازا ضده، منذ أن ترشح للرئاسة، ثم قارنت بين ما يجري حاليا في الولايات المتحدة، وبين ما حدث بداية سبعينات القرن المنصرم، أي زمن الرئيس ريتشارد نيكسون، حيث الاحتجاجات الشعبية، والهجوم الإعلامي المكثف على إدارة الرئيس، وكتبت أن ترمب، مثل سلفه نيكسون، لم يحسن التعامل مع الموقف المتأزم، مع الأخذ في الاعتبار أنه موقف منحاز ضده، فقد أصر ترمب، ولا يزال، على خوض صراع مع الإعلام، دون أن يستنير بمقولة السياسي البريطاني الشهير، ونستون تشرشل، الذي قال ذات زمن: «إن مصارعة الإعلام تشبه الصراع مع الخنازير، حيث يتسخ المصارع في كل الأحوال»، ومن المسلم به أن الإعلام الأمريكي شرس في خصوماته، واستطاع تاريخيا إسقاط كل من يتسلط عليه، وترمب لم يكتفي بخصومته مع الإعلام، فقد خاصم الجميع، عدا زمرته التي أوصلته للرئاسة.
وكمثال، لم يكن الرئيس ترمب في حاجة للدخول بخصومة مع رمز جمهوري كبير من ذات حزبه، وبطل وطني سابق، مثل السيناتور البارز، والمرشح الرئاسي السابق، جون مكين، ولكنه فعل ذلك، وسط دهشة الجميع، ثم بعد أن تسلم الرئاسة، تواصل مع عدة زعماء، ولكنها لم تكن اتصالات من النوع الدبلوماسي، إذ أكدت التقارير أنه دخل في جدل، مع رئيس دولة حليفة وجارة، أي المكسيك، وهو الأمر الذي تسبب في إلغاء رئيس المكسيك لزيارته المقررة لأمريكا، فالمكسيك شريك سياسي وتجاري هام لأمريكا، ثم أعقب ذلك بصدامه مع رئيس وزراء أستراليا، الشريك الهام لأمريكا، إذ كان الأخير قد اتفق مع الرئيس السابق أوباما على استضافة مجموعة من اللاجئين الموجودين في أستراليا، وهو الأمر الذي رفضه ترمب بحدة، وكاد أن يتسبب بأزمة بين البلدين.
وقبل ذلك، وأثناء زيارة ترمب لوكالة الإستخبارات المركزية، تحدث لمنسوبيها عن غزو العراق، وذكر أن إدارة بوش الابن ارتكبت خطأ فادحا بعدم الاستيلاء على نفط العراق، ثم جاءت تصريحاته الأخيرة حول دور دول الخليج في سوريا، عندما قال حديثا لا يمت للدبلوماسية بصلة، ورغم أن هذه أخطاء، لم يكن من المناسب لرئيس دولة عظمى أن يرتكبها، إلا أنه يجب التذكير بأن من يعرف ترمب جيدا، يدرك أن تصريحاته الحادة ضد الجميع، بما فيهم الحلفاء، هي جزء من شخصيته العنيدة، ونتيجة لانعدام خبرته السياسية، إذ لم يسبق له أن انتخب، أو تولى أي عمل حكومي، وهذا ليس دفاعا عنه، بل حقيقة يعرفها كل من يعرف ترمب، منذ أن كان رجل أعمال ناجح.
الرئيس ترمب لا يتورع عن قول ما يخطر على باله دون تحفظ، ولعل رئيس وزراء أستراليا كان يعلم ذلك، عندما هون من أمر ما جرى بينه وبين ترمب، ولم يطاوع الإعلام الأمريكي، الذي كان يرغب في تصعيد الموقف، وبالتالي فإننا، في المملكة، لا يجب أن نحمل تصريح ترمب الأخير حول الخليج أكثر مما يحتمل، فالتصريح كان أمام أنصاره المخلصين، في لقاء شعبي عابر، وليس موقفا دبلوماسيا رسميا معتبرا، وعلينا أن نتذكر أن إدارة ترمب تضم أسماء بارزة، مثل وزير الدفاع، جيمس ماتس، ووزير الخارجية، ريكس تيلرسون، ومدير السي آي إيه، مايكل بومبيو، وغيرهم ممن لن يتخذ ترمب قرارات حاسمة دون الاستعانة بهم، فلا تلتفتوا كثيرا لتصريحات عابرة للرئيس ترمب، يضخمها الإعلام الأمريكي، لأهداف أيدولوجية وحزبية لا علاقة لنا بها، وإن كنا نرغب في أن يكون ترمب رئيسا جمهوريا متزنا، على غرار رونالد ريجان وبوش الأب!.