د.عبد الرحمن الحبيب
رغم أنه من المبكر الحديث عن إعادة إعمار سوريا فالمعارك لم تضع أوزارها بعد، لكن الروس مستعجلون، وطالبوا القوى الدولية بالاستعداد للمساهمة بإعادة إعمار البلد الذي دمرته الطائرات الروسية، وتقديم مليارات الدولارات، معلنين ألا يتوقع أحد من روسيا أن تدفع أي دولار!.
يقول ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي عن تكلفة إعادة الإعمار: أن «لا شيء، ينبغي أن يتوقع من روسيا.» حسناً، من سيتكفل بالثمن؟ هناك إشارات إلى أن دول الاتحاد الأوربي والخليج العربي هي من سيدفع الفاتورة. هذا أغضب دبلوماسيين غربيين وخليجيين، حسب صحيفة فاينانشال تايمز، لأن روسيا تدخلت لصالح الأسد بعد أن دمرت سوريا، أو كما قال دبلوماسي أوربي للصحيفة «تدخلت [روسيا] في سوريا.. الروس يفسدون الأمور تماماً، يحطمون كل شيء، ويريدون من الجميع تحمل التكلفة». ومع ذلك أبدى بعض الدبلوماسيين تفهماً شريطة أن تؤمِّن موسكو التسوية السلمية التي تضع الشروط لانتقال سياسي ينتهي برحيل الأسد.
هنا تأتي المعضلة: هل الأولوية لإعادة الإعمار أم لترتيب انتقال السلطة لرحيل الأسد الذي دمر سوريا؟ تختلف الدول المعنية بالمساهمة في الإعمار، فبريطانيا وفرنسا وهولندا مقتنعون أن لا نهاية للحرب إلا برحيل الأسد، وهذا رأي السعودية الذي طالما نبّه إليه وزير خارجيتها عادل الجبير. لكن بعض دول الاتحاد الأوربي ترى إعطاء الأولوية لتخفيف العنف والاقتتال، فيما تحذر بريطانيا وفرنسا أن ذلك قد يؤدي دون قصد لدعم الأسد بنظامه الفاسد غير القابل للإصلاح، وعدم التسرع في مشروع الإعمار.
لكن روسيا متسرعة لقطف ثمار تدخلها في سوريا وإرساء نفوذ طويل الأمد هناك لأنها لا تريد أن ترث بلداً مدمرة، وكذلك للتخلص من الانزلاق بحرب استنزاف طويلة، فقد مضت ست سنوات على الحرب. الاستعجال الروسي يتضح جلياً بطرح مشروع دستور لسوريا في محادثات استانا التي موضوعها وقف إطلاق النار، وليس الدستور وترتيبات المرحلة اللاحقة فهي لمفاوضات قادمة في جنيف.
مشروع الدستور نفسه مثير للجدل.. بداية بصياغته من دولة أجنبية، فيما تزخر الكفاءات السورية بخبراء أفذاذ لهذه المهمة. ورغم أنه لم تظهر تفاصيل مشروع هذا الدستور لكن القضية الحاسمة هي موقع الأسد.. إنما بعض المعارضين للنظام السوري وبعض الدبلوماسيين الأوربيين يرون أن المشروع الروسي ينطوي على تفويض بالمسؤوليات لرموز المعارضة كوزارات الداخلية والدفاع والخارجية. يقول أحد المعارضين «الفكرة بعيدة عن النموذج المثالي ولم نكن نطمح إليها، ولكنها أفضل من الحرب».
لكن بعض الشخصيات المعارضة تحذر من هذه الفكرة، لأنها تضع دستوراً على غرار النموذج العراقي أو اللبناني في نظام تقاسم السلطة. فيما ذهب آخرون إلى أن تمثيل المعارضة في الحكومة القادمة قد يكون مجرد غطاء وهمي، يقول أحد المعارضين: «لا يهم كثيراً إن كان لديك وظيفة جديدة وقوية [في الحكومة] إذا لم يكن لديك أجهزة المخابرات أو الجيش خلفك» (فاينانشل تايمز).
السؤال الأهم هنا: هل يمكن الاتفاق على إعادة إعمار سوريا؟ التحديات كبيرة وكثيرة.. في مقدمتها العراقيل التي تضعها الحكومة السورية والنظام الإيراني لكونهما أكبر العقبات التي تحول دون تسوية سياسية حسب رأى خبراء الشرق الأوسط من الروس أنفسهم وليس من خصوم النظام السوري. إذا كانت روسيا تريد استقراراً في سوريا وأظهرت انفتاحاً لمناقشة مستقبل سوريا دون رئاسة الأسد، فعلى عكسها إيران تسعى لاستمرار النزاع كي يبقى نظام الأسد تابعاً لها ولا يمكنه اتخاذ قرارات مستقلة، إضافة لإمداد الأسلحة والأموال لوكلاء إيران العسكريين بالمنطقة الذين يعيثون فساداً وتخريباً فيها.. إيران متشبثة تماماً بالأسد كشريك أساسي، وهي تعلم أن أي زعيم مقترح لسوريا، حتى لو كان وثيق الصلة بالأسد، لن يربط موقفه بشكل وثيق بطهران. والنظام السوري بدوره يعلم أن أي استقرار أو تنازل للمعارضة يعني بداية النهاية له.
التحدي الثاني هو في إقناع دول الاتحاد الأوربي في دعم صفقة سياسية بوساطة روسية، فهذا الاتحاد لديه شكوك وهواجس أمنية تجاه روسيا، ويعاني العديد من المشاكل والتهديدات معها بداية باحتلال جزيرة القرم ودعم الاضطرابات في أوكرانيا، ونهاية بدعم روسيا قبل أسبوعين لانقلاب فاشل في جمهورية الجبل الأسود التي كانت متحدة مع صربيا قبل استقلالها عام 2006.
التحدي الثالث يطرحه الكرملين، حسب تصريح دبلوماسي روسي سابق، الذي يرى أن أكبر التحديات تأتي من الموقف غير الواضح لدى الإدارة الأمريكية في سوريا. فرغم أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعطى أولويته في سوريا لقتال داعش، وأظهر تشدداً تجاه إيران وتدخلاتها في المنطقة، إلا أن موسكو بحاجة إلى رسالة واضحة من واشنطن فيما يخص التسويات في سوريا.
أغلب الدلائل تشير إلى أن المحادثات المدعومة من الأمم المتحدة في جنيف بين النظام السوري والمعارضة المسلحة ستأخذ منعطفاً جديداً رغم التحديات والعراقيل التي يتسبب بها الثالوث: النظام الإيراني، النظام السوري، داعش.. لكن كل من هذه الثلاثة يعاني الآن من انحسار سيخفض مستوى عرقلته للتسويات القادمة.. وإن كان القادم لا يزال غامضاً، لكنه لن يكون أسوأ..