سعد الدوسري
قبل ظهور التشدد الديني على السطح، كان الدين بالنسبة لآبائنا ولنا هو النبراس والمقياس والمنهج والسلوك، ولم نكن في الغالب بحاجة إلى من يرشدنا إلى سلوك أفضل. كانت المعاملات بين الناس، تتم بمودة وتراحم، دون تشنج أو تطرف أو مبالغة. كان لكبار السن مكانتهم التي لا يمسها من هم أصغر سناً، حتى ولو كانوا أكثر قرباً من العلوم الشرعية. كانت الهيبة محفوظة للجميع، لا يتجاوز أحد أحداً، ولا يمس أحد مشاعر أحد، ولا يترفع باسم الدين أحد على أحد.
بعد موجات التشدد، وعلى الرغم من كل ويلاتها، صار ذلك الشاب الذي يبدو بهيئة الملتزم دينياً، يحظى بالأولوية في الدخول والخروج والجلوس والحديث. بوجوده، تنتفي الهيبة عن كبار السن، وتغدو الهيبة كلها له، والأنظار كلها إليه. ولو مكثنا نفكر بالأمر قليلاً، لاكتشفنا أن السبب يكمن في عدم قدرة أولئك الذين يهابون الشكليات الدينية، على دراسة الدين دراسةً تجعلهم قادرين على التحاور مع المتشددين في أمور دينهم. ولأنهم كذلك، لا يقرأون ولا يحفظون، فإن بإمكان أي فتى، مع بعض المحفوظات البسيطة، أن يحرج رجلاً في عمر أبيه، وقد يحرج أباه نفسه!
يجب ألا ننكر أننا تمادينا في جعل الدين أداةً في يد أصحاب الهوى والأجندات، يوجهون المدارس والجامعات والوزارات والأسواق والمرافق العامة، على أمزجتهم، إلى أن صار صعباً علينا اليوم اقتلاعهم منها.