«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
ترتكز التنمية الاقتصادية في غالبية دول العالم على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث تمثل النسبة الأكبر على الإطلاق في الناتج المحلي الإجمالي، إذ تفوق مساهمتها في الاقتصاد الأمريكي ما نسبته 95 % وتتجاوز 97 % في كثير من الدول الأوربية، كما تلعب مشروعات القطاع الدور الأكبر في إيجاد الوظائف، بل إنها تمثل النسبة الهامة من القطاع الخاص.
ورغم أن المنشآت الكبيرة داخل هيكل القطاع الخاص هي الأكثر بروزاً على ساحة المجتمعات لقوة رؤوس أموالها وانتشار فروعها وسيطرتها على الساحة المحلية معنوياً ومجتمعياً وإعلامياً، إلا أن دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة هو الأعلى سيطرة من واقع الدفاتر في انتشارها بالمدن الكبرى والصغرى، بل والقرى وغيرها.
ومع ذلك، ينبغي التمييز بين المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر، حيث توجد فروق كبيرة بينهما، خاصة وأن الأولى منشآت تنموية تسهم بشكل حقيقي في التنمية بطريقة متسارعة، بما توفره من فرص تشغيل لصاحبها وعدد آخر من العمالة، أما المنشآت متناهية الصغر فهي تحل مشكلة التشغيل لصاحبها فقط غالبا.
وحسب التقرير السنوي لوزارة العمل لعام 2015م، فإن عدد المنشآت في القطاع الخاص بالمملكة بلغ 1.9 مليون منشأة، منها 991.9 آلاف متناهية الصغر، بنسبة مساهمة حوالي 51.7 %، يليها 211.7 ألف منشأة صغيرة بنسبة مساهمة قدرها 11.0 %، وحوالي 2.3 % منشآت متوسطة، ونحو 0.3 % منشآت كبيرة وعملاقة.
ولا يوجد تصنيف دقيق يحدد حجم رؤوس أموال هذه التقسيمات للمنشآت، فالمنشآت متناهية الصغر توظف أقل من عشرة عمال نظريا، لكن في الواقع العملي، فإنها توظف صاحبها أو من ينوب عنه فقط، بل لنكون أكثر دقة، هي منشآت برؤوس أموال تقل عن 100 ألف ريال، وربما عن 50 ألفا، ويعتمد صاحبها على عامل أو موظف إما مواطن يقبل أجراً ضعيفاً أو بالاعتماد على وافد، وذلك لشيء واحد هو أن هذه المشاريع منخفضة الدخول، ولا يمكنها تغطية أجور مرتفعة، فضلا عن كونها مشاريع ليست مستقرة تماما، ولا يمكن القيام بالإجراءات النظامية في إتاحة تأمينات وغيرها على العاملين بها.
وما ظهر من منشآت مستبعدة في 2015م وأعدادها 666.1 ألف منشأة، هي عبارة عن منشآت متناهية الصغر لم تستطع التواؤم مع معطيات وزارة العمل ولذلك خرجت من السوق تماما.
وتوقعا للعامين 2016 و2017م، ما هي الخريطة المرجحة مع استمرار القواعد والتنظيمات الحالية؟ بالطبع يرجح استبعاد المزيد من المنشآت متناهية الصغر والتي وصل عددها في 2015م إلى 991.9 ألف منشأة، والتي يقع منها حوالي 256 ألفا في النطاق الأحمر الصغير جدا، أي أنها أقرب للاستبعاد «يعمل بهذه المنشآت على وجه التقريب حوالي 197 ألف عامل» منهم 193.6 ألف وافد.
ولتقريب الصورة، نستطلع أنشطة هذه المنشآت على وجه التقريب، حيث تعمل 275 ألف منشأة منها في نشاط تجارة الجملة والتجزئة، وحوالي 200 ألف في مجال البناء والتشييد، و175 ألفا في الخدمات الاجتماعية والشخصية.
وبالبحث حول الدور المجتمعي لهذه المنشآت فهو هام للغاية، ولا يمكن الاستغناء عنه، حتى بالنسبة للمنشآت التي يعمل بها صاحبها فقط، لأنه غالبا ما يكون نشاطا مهنيا أو فنيا يحتاجه المجتمع، وإذا غاب هذا الدور قد يتسبب ذلك في موجات ارتفاع كبيرة بأسعار الخدمات في حال ضعف معدل تواجد هذه الخدمات بسهولة. لذلك، فدورها ليس مساهمة في الناتج فقط كما يعتقد البعض، ولكن دورها يمتد إلى تقديم خدمات اجتماعية وشخصية هامة، فضلا عن أهمية انتشارها جغرافيا بالمدن والقرى للحفاظ على معدلات سعرية مناسبة لخدماتها.
وفي هذا السياق، فإن وحدة «الجزيرة» ترى ضرورة للنظر في إعطاء تسهيلات أكبر لهذه المنشآت متناهية الصغر للحفاظ عليها، ونقترح التفكير في سبل وآليات دعم تحول هذه المنشآت إلى منشآت صغيرة بشكل يضمن استقرارها بالسوق. بل ننوه إلى أن المزيد من الاستبعاد لهذه المنشآت يؤدي إلى استمرار ارتفاع أسعار الخدمات، نظرا لظهور بوادر تدني معدلات العرض من الخدمات، فضلا عن احتكار منشآت قليلة لأسواقها في المدن والأحياء والقرى. وكل ذلك يعزز من ارتفاعات الأسعار.
لذلك، توجد ضرورة ملحة للحفاظ على المنشآت متناهية الصغر، لأنها المسلك الحقيقي لتقديم الخدمات الشخصية والفنية والمهنية بالسوق بأسعار مناسبة.