ناصر الصِرامي
لا يوجد تفسير منطقي للحرب التي يخوضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع أشهر وأكبر وسائل الإعلام الأمريكية والتي تجمع بين الشراسة والجدية، ولديها سلسلة علاقات كبيرة ومتشعبة في الأوساط السياسية، وخلفها استثمارات ضخمة، ولا تشكل العلامات التجارية الإعلامية شيئاً كبيراً من قيم أصول الشركات داخل هذه الإمبراطوريات العملاقة، والتي تتسع لتشمل استثماراتها بالمؤسسات المالية والترفيه والتقنية إلى المقاولات.
لا شيء منطقي يفسر وضع الرئيس الأمريكي السلطة الرابعة فعليا ببلاده، في حرب مباشرة ومواجهة معه، بما يملكه هذا الإعلام من مساحة الحرية في الطرح وحق الحصول على المعلومات، وعطش مهني حقيقي للعاملين فيه لتقديم قصص لتحقيقات إخبارية تحولهم إلى أبطال وأثرياء..!.
لا شيء بالنسبة لي البتة، يبرر أو يشرح اختيار ترامب لفتح هذه الجبهة الإعلامية الكبيرة، إلا توقعاته المتقدمة جداً لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي وشبكاته، ونفاذ الإعلام الاجتماعي إلى المقدمة، ورغم أن البعض قد يجد أن هذه مقامرة-خطيرة من الرئيس، لكنها مهمة لناحية مؤشراتها، وكون الجدل يصل إلى هذا المستوى!، وهذا الجدل بحد ذاته إثبات ومنبه خطر لحجم التغير الفعلي في الساحة الإعلامية والمعلوماتية.
وحتى السلطة الرابعة، بجلالتها، وأدواتها التقليدية أو الحديثة، هي الأخرى ومتى ما تخلت عن التطور باستمرار، وتقديم الجديد في المحتوى وطرق التفاعل والوصول، فإنها دخلت إلى غرف العناية غير المركزة، وأصبح إيقاف أجهزة العيش المؤقت متوقعاً في أي لحظة!
نستخدم اليوم وبشكل مكثف أجهزتنا المتنقلة للبحث عن الترفيه والاقتصاد والأخبار والأموال، و 75 % من وقت متابعة الأخبار عبر التطبيقات، فالأجهزة المتنقلة تتيح للناس البقاء على تواصل بشكل فوري، الأمر الذي يؤثر على الطريقة التي يتفاعلون بها مع المعلومات في وقتها.
وأظهرت إحصائية أن عدد الناشطين على مستوى العالم في مواقع التواصل الاجتماعي تجاوز المليارين ويقترب من الثالث، يحملون حجم تأثير سياسي واجتماعي وثقافي واقتصادي واضح.
والمواقع التي تحولت إلى منصات أعمال وصحافة ناجحة درّت عائدات مالية فاقت قيمتها ثمانية مليارات دولار خلال عام 2015 فقط.
الأرقام ضخمة والتحولات التقنية لا يستهان بها.. ولنتذكر أنه يوجد الآن أكثر من 8 مليارات جهاز متصل بالإنترنت على مستوى العالم، وذلك العدد أكبر من عدد سكان الأرض، الذي بلغ 7.4 مليار نسمة، حسب آخر التقديرات.
وأمامنا قطاعا الإعلام والاتصالات -المتداخلان في كل تفاصيل حياتنا اليومية يقتربان أكثر لدرجة الالتصاق، ويلاحظ أن عدد الهواتف الذكية تجاوز الأجهزة اللوحية بخمسة أضعاف، والزيادة الأكبر في الأجهزة المتصلة بالإنترنت هو بين الهواتف الذكية..!
هل هذه الصورة الجديدة لصناعة الإعلام وتحولاتها هي من جعلت الرئيس ترامب يقلل من قيمة المؤسسات والإمبراطوريات الإعلامية الضخمة، ومن تأثيرها فعلا..؟.
هل يتوقع الرئيس أن يتفوق في حرب من هذا النوع ويسقط تلك المؤسسات -التي تملك بالمناسبة استثمارات وخبرات هائلة في شبكات الإعلام والتواصل الاجتماعي...؟
أم أنها شخصية دونالد ترامب في عشق الإعلام عبر منحه المزيد من القصص...ليمنحوه المزيد من المساحة؟، لكنها أيضا مغامرة ولعبة خطرة للغاية!.
بالنسبة.. وبصراحة.. فإنّ متعة المشاهدة والتعلم لا تقدر بثمن...!.