فهد بن أحمد الصالح
ينتظر رياضتنا السعودية مستقبل إما مزدهر أو مؤلم مع التوجُّه إلى خصخصة الأندية الرياضية حتى وإن كانت ستتم على مراحل، ووفق جدول زمني، وليس لكل الألعاب في المرحلة الأولى. ودخول الأندية الممارسة أو المنافسة - مثلما أسمتها الهيئة الرياضية لدينا - إلى هذا العالم التنافسي الجميل - دون شك - سيؤثر إيجابًا على منافستنا المحلية والدولية طالما سيغيب في هذه الحالة العمل الفردي والقرار السيادي، وسيحضر حساب الأرباح والخسائر ومقدار الفائدة بما يواكبها من عقود الاحتراف المليونية التي بعضها قبل التخصيص لا تساوي مئات الآلاف، والفائدة من أصحاب تلك العقود متدنية، وازداد في هذا الحالة حساب الخسائر وتجاوز حساب الأرباح، وهو الذي سيكون الحاضر الأول في المستقبل القريب بعد الخصخصة. ونتوقع أن الهيئة الرياضية والمجتمع العام والخاص يتوق إلى أن يكون المشهد الرياضي جاذبًا للاستثمار وللمتابعة، ولتنامي الولاء لرياضتنا المحلية الذي بدأنا نفقده مؤخرًا بشكل واضح، وتعلق النشء بالرياضة الأجنبية ومنافساتها، وحتى معرفة أدق التفصيلات عن أنديتها ولاعبيها وجداول المباريات وأماكن إقامتها.. ولا تسمع في البيت متحركًا عن التلفاز أثناء المباريات الدولية، في حين فقدنا الكثير من الاهتمام والتشجيع ومتابعة منافسات أنديتنا ومسابقاتنا.
إن المشهد الرياضي القادم سيكون صاخب الأحداث دون شك، ومتنوع الاهتمامات، بل متبدل الولاءات.. والأندية التي كانت بحكم المشاع في الحب؛ لأنها أندية وطنية، تملكها مصلحة حكومية واحدة، وتشرف عليها، وتدفع بعض ميزانياتها، قد أصبحت في يد ربما رجل واحد أو شركة واحدة أو تكتل واحد؛ وهذا ما سيدفع الكثير إلى تغيُّر في القناعات، وحتى في المتابعة والمبادرة والنقد.. ولكن ما يهمنا هنا أن يكون لهذا المستقبل لوائح وقوانين دقيقة جدًّا، تنظّم المنافسة بينها، وتجذب الاستثمار فيها، وتدفع بتزايد إلى تشجيعها ومتابعتها، والفخر بما تحققه للوطن، والسعادة أيضًا بما تحقق من أرباح لمن انتهت ملكيتها له. ومع حاجتنا إلى تقنين الأحكام فإننا نحتاج إلى فريق عمل في الهيئة من المستشارين القانونين والرياضيين المهنيين؛ ليكون بمقدورهم سرعة البت في أي قضية تحدث، لا أن تصبح مثل قضايا اليوم مطاطية، وضرورة أن نبعد عن هذا الفريق أي تأثير يحدث من المتنفذين، وحتى من الجماهير والإعلاميين، سواء عبر وسائل الإعلام المعروفة والمتنوعة، أو عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، ونعطي القوس لباريها بكل وضوح وشفافية؛ لكي نضمن أن البيئة الاستثمارية والرياضية لدينا لم تُبنَ على أهواء وأغراض شخصية، وإنما بُنيت على قوانين، وأنظمة المساواة فيها هي سيدة الموقف.
كذلك على الهيئة الرياضية أن تستعجل مع الاتحادات المعنية لصياغة اللوائح والأنظمة والعقوبات التي لها علاقة بالسلوك الرياضي، سواء داخل الملعب أو خارجه، ولا يُستثنى من ذلك أحدٌ؛ فكل ما يتعلق بالمظهر الخارجي للاعب وممارساته اللفظية والحركية سيكون له تأثير على مستقبل الرياضة ومتابعتها، وكذلك على أخلاق الشباب من الهواة والمشجعين، والتدرج في العقوبة مع التكرار, والـتشديد على احترام العقود والمواثيق التي يُتفق عليها بين النادي واللاعب، وإلزام إدارات الأندية أثناء الأحاديث والمقابلات الإعلامية والبيانات الصحفية بالخطاب الرصين، وعدم الخروج عن اللياقة الأدبية في المخاطبة؛ حتى نمنع تكرار ما حدث في انتقالات اللاعبين أو تحليل أحداث رياضية ومباريات تنافسية وغيرها. وعلى الهيئة أن تكبح جماح المختلفين مع أي حدث رياضي مثلما حصل مع لجنة التوثيق الرياضي، وتعرُّض البعض من أعضاء اللجنة لألفاظ خارجة عن المقبول في مثل ذلك الاجتهاد الذي لم يكن الدافع فيه إلا الشوشرة والتشكيك وحب الظهور أو الانتقام؛ لأن الغلبة كانت لأحد الأندية التي لا يختلف أحد على تفردها البطولي في معظم الألعاب، وليس لعبة واحدة فقط.. والصحف الرياضية تمتلئ يوميًّا بما تفرزه بعض الأقلام التي تعبّر عما في نفسها، وليس عن رؤية المطبوعة الرياضية.
ختامًا.. الأيام حبلى بالمفاجآت السارة والضارة.. فالسارة منها دليل تخطيط جيد، وبناء دقيق، وقانون محكم، وتهيئة صادقة للبيئة المحيطة والمشهد الرياضي بصورة عامة.. والضارة منها - لا شك - ستعكس قصورًا في رؤيتنا نحو المستقبل، وعدم استفادتنا من تجارب الآخرين الذين سبقونا، وبنية قانونية هشة غير مدركة للأحداث والوقائع، أو تغليب مصالح أو أشخاص أو شعارات.. وهذا ما لا نرجوه في مستقبلنا الرياضي. ولن نختلف في أن ما سيضبط ذلك هو العقوبات والغرامات، والمساواة في تطبيقها دون الالتفات لأي تأثير.. فكما أن المساواة في الحق عدل فإن المساواة في الظلم عدل. ونحن لا ندعو للظلم، ولكن لا أحد منا يقبل الكيل بمكيالين. والوضوح والشفافية مطلب العقلاء من البشر، وهم الذين يقدمون المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.. ففي البيئة الجديدة تستطيع أن تبني نظامًا جيدًا، يتبعه كل المعنيين به، ويلتزمون بتطبيقه.. أما إذا بدأنا بضعف فسيكون الضعف دائمًا، والتراجع أو الفشل هو المصير الذي نستبعد هيئتنا الرياضية عنه بصدق وحياد.