د. محمد عبدالله العوين
بعد انتخاب الرئيس الأمريكي ترامب وبدء سياسة واقعية جديدة في المنطقة تناقض سياسة الرئيس السابق أوباما الراعية للفوضى في المنطقة والمنحازة إلى إيران بدأ الخناق يضيق على رقاب ولاة الفقيه في طهران؛ ففزعوا يستنجدون ببعض دول الجوار طلبا للنجدة وللوساطة، مبدية استعدادها للنقاش حول نقاط الاختلاف التي تزعم إيران أنه يمكن حلها بالحوار.
لقد حصحص الحق وبانت ساعة الحقيقة أيها المعممون!
الآن حين ضاقت بكم الدوائر تطرقون الأبواب طلبا للشفاعة واستجداء لوساطة أنتم أول من يعلم بفشلها، وأنتم أدرى بأسباب فشلها في إقامة تصالح وسلام مع نظامكم الثوري الشعوبي العنصري الذي يحفر لنفسه مدفنه كلما أمعن في غلوائه الإجرامي واستكبر على قبول المناشدات من دول الجوار العربية المحبة للسلام والداعية إلى التعايش؛ منذ أن قامت ثورتكم المشؤومة قبل ثمانية وثلاثين عاما.
أنتم تعلمون لم لن تنجح مساعيكم في إقامة حوار منصف عادل، وأنتم تعلمون أن سعيكم للحوار المزعوم الذي تطمحون إليه ليس أول استجداء؛ لأنكم في حقيقة الأمر كما في اعتقاداتكم المنتحلة تؤمنون بالتقية والتخفي والتلون؛ وهو ما تمثله سياستكم على الأرض؛ فصورت الأفعال والأقوال روح ما تعتقدون، وأصبحت سياستكم المعممة مثالا لفقدان المصداقية، ونموذجا لفقدان الصدق، ولعدم الالتزام، وللتلون والتقلب، والكفاءة العالية في استخدام الألفاظ الدبلوماسية اللطيفة وقت الحاجة، واللجوء إلى إحياء المعجم الثوري الذي نهضت عليه حركتكم غير المباركة وقت اشتداد الأزمات.
إن مشكلتكم تكمن فيكم أنتم؛ لا في الشعب الإيراني المضطهد، ولا في دول الجوار، ولا حتى في الطائفة التي ضللتموها وزعمتم أنكم تسعون إلى نصرتها والدفاع عنها وأنتم تنشرون الخراب والدم والتهجير وتهلكون الحرث والنسل في أي أرض تطأها أقدام حشودكم وفيالقكم وأحزابكم العاربة منها والمستعربة والمتشيعة منها والمستأجرة، والمغفلة الساذجة المستسلمة للشعوذة والدجل والأكاذيب التاريخية، والواعية العالمة العارفة بأطماعكم؛ ولكنها تبيع الحق بالباطل طمعا في المغانم والمكاسب والمليارات؛ لفقدانها صدق الانتماء إلى أمتها العربية؛ أرضا ولغة وتراثا وقيما وأخلاقا.
إن العاقل المتبصر في أمركم ليعجب منكم كل العجب؛ فكيف يمكن أن يطلب معتد وقاتل ومهيج ممن اعتدى على ديارهم وأموالهم ومعتقداتهم وسعى في أرضهم خرابا وفي شعوبهم قتلا وتهجيرا أن يجلسوا معهم على طاولة حوار؛ للصفح أو للنسيان أو لإجازة ما ارتكبه هذا المجرم المعتدي من ألوان الإجرام وسفك الدماء وتخريب الديار؟!
ألا تستحون؟!
كيف يتم حوار بين بلدان مستهدفة بالإجرام ونشر الفوضى ومليشياتكم وأحزابكم وحشدكم وخلاياكم السرية والمعلنة وعملاؤكم ومستأجروكم ينشرون الخوف، ويوزعون شهادات الموت في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين تفجيرا وقتلا واغتيالات؟!
كيف يتم حوار بين من اختطفت القيادة من شعب إيراني كان يناضل في سبيل الحرية والعدالة والتقدم وابتلي بعصابة فاقت في تجبرها ودكتاتوريتها واستسهالها للدم على يد حرسها الثوري ما كان يقترفه «السافاك» عصابة لا تحتكم إلى مفهوم رعاية مصالح شعبها؛ بل إلى تحقيق ما نهضت عليه؛ وهو: الثأر التاريخي من العرب؛ كما فعل إسماعيل الصفوي، واستعادة الامبراطورية الفارسية؛ كحلم طوباوي غبي.
عصابة - لا قيادة - آمنت بمفهومات كهنوتية، ومنحت «الولي الفقيه» القداسة ليحكم ويمسك برقاب الشعوب الإيرانية، وعاكست اتجاه الزمن؛ فأدخلت إيران إلى ما يشبه العصور الكنسية في أوروبا؛ فهل يمكن لمن يعيش في عصور ما قبل التنوير والنهضة أن يعيد الزمن إلى الخلف؟!
لقد قال معالي وزير خارجية المملكة الأستاذ عادل الجبير بكل اللطف والدبلوماسية والتطلع إلى منطقة يسودها الأمن والسلام: إننا نريد أفعالاً لا أقوالاً، وإن على إيران أن تغير سلوكها.
وأنا أقول: هذا مستحيل؛ مستحيل أن تغير إيران سلوكها؛ لأنها قامت بمنطق ثوري كهنوتي يحمل أطماعا خفية تؤمن بضرورة تصديره.
لن يحل السلام في المنطقة وإيران يهيمن عليها من يزعم أنه يحكم بالإنابة عن الله عز وجل.