انصرم هذا الأسبوع ليأخذ معه الناقد والمفكر الفرنسي من أصل بلغاري تزفيتان تودوروف الذي أغنى النقد الأدبي والفكر من خلال العديد من كتبه المهمة في مجالها كالشعرية، الأدب في خطر، روح الأنوار، الأمل والذاكرة، مفهوم الأدب، مفاهيم سردية، ميخائيل باختين المبدأ الحواري، اللانظام العالمي الجديد وغيرها من الكتب.
نستطيع من خلال اطلاعنا على نتاج تودوروف أن نلحظ اهتمامه بالمجالين الأدبي البحت والفكري؛ ومن الممكن أن نقول بتحوله من (الشعرية) البحث في أدبية الأدب الذي قعّد فيه لشكل السرد؛ وهو الذي ترجم نصوص الشكلانيين بإيعاز من صديقه جيرار جينيت؛ إلى (الأدب في خطر) الذي حاول فيه أن يُخرج الأدب من عزلته الذاتية (الأدبية) ومن عزلته التعليمية التي يرى فيها أننا في مدارسنا التعليمية «لا نتعلم عن ماذا تتحدث الأعمال الأدبية؛ وإنما عن ماذا يتحدث النقاد» (الأدب في خطر ص12 ). ويستمر في هذا الخروج من عزلته الأدبية ويُخرج معه الأدب كله من تلك العزلة التي فرضتها البنيوية في تلك المرحلة ليخوض في عوالم الفكر والفلسفة من خلال العديد من مؤلفاته اللاحقة التي من آخرها (اللانظام العالمي الجديد) الذي يقرر فيه حقوق الدول باستقلاليتها ونبذ تدخلات الدول الكبرى فيها كما فعلت أمريكا مع العراق؛ ولذا فإنه يرى :»أن القبول بالتعددية هو أفضل وسيلة لحماية الاستقلال الذاتي لكل بلاد ومن ثم الحصول على انضمامها» (الانظام العالمي الجديد ص81).
ولعل تودوروف يحاول التفلت من المركزية الأوروبية من خلال نقده وأطروحاته التي لا تنقصها الجرأة في نقد تعليم الأدب في التعليم الأوروبي؛ ولا أظن اهتماماته اللاحقة بموضوعات الأدب وإعلان الخطورة التي تلحقه إلا دليلًا على خروجه من الأدبية البحتة التي انغمس فيها مع جيرار جينيت وغيره من النقاد في تلك الفترة؛ ولعله منذ اهتمامه بحوارية ميخائيل باختين وهو يلمح إلى علاقات الأدب الخارجية وهذا ما جعله يهتم بطرح باختين ويفرد له كتابا؛ إلا أن الفترة تلك انشغل فيها النقد بالأدبية وكان له الحظ الوافر بتقعيد الشعرية في السرد من خلال كتابه الشعرية.
إنها رحلة فكرية وجسدية تلك التي عاشها تودوروف منذ انتقاله من بلغاريا إلى فرنسا؛ وتنوعه بين الشكلانية والبنيوية إلى الحوارية ودمج الأدب بالفكر والتفلسف حتى اهتماماته السياسية اللاحقة التي تنتصر للشرق الأوسط وللعراق خصوصا ضد حرب أمريكا كما في كتابه (اللانظام العالمي الجديد).
- صالح سالم
@_ssaleh_