د. إبراهيم بن محمد الشتوي
وقد قيل قديمًا إن السفر مدرسة، وهو مدرسة لأن السائح المسافر يلتقي فيه بأكبر عدد من المعارف؛ لذا فهو يمثل بيئة خصبة للقاء الثقافي بين ثقافة السائح الأصلية، وثقافة البلد المغايرة، وهي لقاء للطرفين؛ فالسائحون بعاداتهم، وتقاليدهم، وثقافتهم، وأديانهم يمثلون ظاهرة ثقافية كاملة، تعبّر عن المجتمع والثقافة القادمة منها، وتشكّل تحديًا لصاحب المكان، من جهتين:
1 - أنهم لا يعرفون ثقافتهم ولا يفهمونها، ولا يعرفون لماذا يفضلون هذا دون ذاك، كما لا يعرفون شيئًا من ثقافتهم، فهم يمثلون بالنسبة لهم عالمًا مغلقًا مستعصيًا على الفهم؛ لذا كثيرًا ما نجد التصنيف، والأحكام الجائرة والمغلوطة تجاه السياح.
2 - أن هؤلاء السياح لا يحترمون الثقافة المحلية في كثير من الأحيان، ولا الأعراف الاجتماعية، فيكسرون القواعد، ويخرجون على المألوف، بل ربما يصل أحيانًا حد الخطأ، مما يمثل حرجًا، ومضايقة لأصحاب الثقافة المحلية، ويهينون مقدسات ذلك البلد بناء على عدم إيمانهم بها، وأنها لا تمثل شيئًا بالنسبة لهم، دون أن يقيموا لما يعتقده أولئك من وزنًا.
وهذا يؤدي إلى الاحتكاك الفعلي بين الثقافتين، ويؤدي إلى أن يسعى كل واحد من الطرفين إلى التواصل مع الآخر حتى يتمكن من فهمه وإدراك ما يحسه، وقد تجد كثيرًا من السياح يحاولون تعلُّم لغة السكان المحليين؛ حتى يتمكنوا من التواصل المباشر معهم، أو ليقرؤوا ما هو مكتوب على الشواهد والنصب السياحية والآثار.
واستجابة لهذه الظاهرة نجد عددًا من البلدان تضع قواعد خاصة للسياح، وأماكن خاصة بهم أيضًا؛ فيسمح للسياح بما لا يسمح لغيرهم؛ وهو ما يعني أن المكان يتفهم هذا الاختلاف لدى السياح فيستجيب لشروطهم الثقافية، ويغير من قواعده وقوانينه تغييرًا جزئيًّا مما يوقع المكان بنوع من التناقض النسبي حين يسمح بشيء ينهى عنه في الوقت نفسه؛ وهذا ناتج من نواتج الصدمة الحضارية.
إلا أن هذا التداخل بين الثقافتين يبقى تداخلاً محدودًا؛ فالسائح يكون قد أخذ عددًا من التوجيهات، والتحذيرات السابقة من عدم التواصل مع المحليين؛ لأنهم سيقومون بسرقته، واستغلاله، في حين أن السكان المحليين أيضًا يمنعون من التواصل مع السياح، وربما يحذرون مما يحملونه معهم من عادات وتقاليد؛ ليصبح التعامل معهم غالبًا خاصًّا بفئة معينة من الناس، وببرنامج محدد سلفًا، تقوم به الشركة السياحية، يبيّن الأماكن التي تزار، والأنشطة التي تمارس، والأشخاص الذين يتواصل معهم، ويقوم المرشد السياحي بعد ذلك القادم من الشركة، الذي قد حاز التدريب الكافي، سواء كان في التواصل مع السياح، وما ينبغي أن يقول لهم، أو في معرفة التاريخ لهذه الآثار.. يقوم بدور الوسيط بين شركة السياحة والسياح الأجانب، بين المجتمع والسياح؛ فهو طريق السائح في الغالب للتواصل مع البيئة المحلية، والمجتمع الذي يسافرون إليه، ولأنه يعرف لغة السياح، وقد اطلع على قدر لا بأس به من ثقافتهم، فإنه يقوم بتقريب ملامح الثقافة المحلية لثقافة السياح بحيث يجعلها قريبة مما يفهمون. وهذا يعني أن «المرشد» ليس قائدًا للمجموعة، ومرشدًا، ولكنه أيضًا وسيط ثقافي/ اجتماعي بين البيئة المحلية المستقبلة والسياح الأجانب، يقوم بتوجيههم إلى حيث يريد، وتحذيرهم مما لا يريد، وقد يقوم بتوصيات لبعض الجوانب المهمة؛ فهو يقرأ لهم التاريخ، ويركز على بعض التفسيرات دون أخرى بحسب الجماعة السياحية، كما يوجههم إلى أماكن قد تكون ذات قيمة بالنسبة لهم أكثر من غيرها. فمعلومات المرشد السياحي تقوم بمنزلة الشروحات والحواشي على المكان الأثري أو النصب التذكارية، التي توجه الناظر إلى زاوية قد لا تكون ظاهرة، ومن يستمع مثلاً إلى بعض مرشدي السياحة في بعض الدول يجد أن هناك بونًا شاسعًا بين ما يراه أمامه وما يقولونه.
ومن هنا فإن «المرشد» نفسه ظاهرة ثقافية، تعكس المكان المضيف، وتبيّن كيفية تعامله معهم، وتبيّن مقدار الثقافة والتطور الذي بلغه المكان من خلال المرشد، في إنصافه، في موضوعيته، في قدرته على الإقناع، وقدرته على الدقة في المعلومات، واختيار المكان المناسب، وفي حس الضيافة لديه حين يكون معطاء كريمًا، سمحًا، قادرًا على أن يحتوي السياح جميعًا بحضوره، وتوجيهاته، ووقوفه الدقيق والتفصيلي عند كل مكونات المكان، وسعيه الكبير لأن تكون معلوماته دقيقة وصحيحة، ومتماسكة. وكثير من السياح تكون صلته بالمرشد السياحي أكثر من غيره من المسؤولين على الرحلة، وقد يكون هو الذي يبقى في ذاكرته من المكان الذي ساح فيه.
ومع هذا الدور فقد يقوم المرشد بدور سلبي، فيقدم معلومات مغلوطة عن المكان، وقد يؤذي السياح عن طريق التسوُّل، أو تحميلهم ما لا يحتملون من مبالغ مالية، أو يقدم معلومات عن التاريخ، والثقافة لا تعكس حقيقة ما يرونه أمامهم، أو يوجههم إلى أماكن ليست ذات قيمة في المكان السياحي.