د. صالح بن سعد اللحيدان
وهذا هو الجزء الثالث من جزءين سابقين اتجه فيه صوب الحاجة إلى ما لابد منه حيال العلم واللغة
ولست بزاعم / كلا / أنني أتي بالجديد من قواعد وأصول تجاهما لكنني حينما رأيت القوم يجنحون نحو السرد النسقي المتكرر والطرح الإنشائي ومجرد بذل الوعظ دون تجذر للتأصيل والإضافات النوعية.
رأيت أن آتي بشيء لعله يساهم في عودة الروح إلى الشعور بالمسؤولية نحو العلم واللغة فلعله يجدي ولعله يفيد وها أنذا أذكر ما جد لي في هذا المسار .
أولاً/ ليس كل الذين صنفوا وافنوا دهراً من العمر بقيت آثارهم مما سطروه فكم كان في زمن القرافي وبن فرحون والشاطبي والأمدي كم كان في زمنهم من علماء وباحثين لكنهم ليسوا سواء إذ لم يبق لهم ذكرٌ الا من خلال مجرد المعاصرة وفي كل خير أن شاء الله تعالى .
ثانياً/ وكم كان في زمن البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبي داوود وابن ماجه وخلقٌ مثلهم وكم كان في زمن سيبويه والفراء والمازري والسيرافي وابن معط كم كان في زمنهم من العلماء الذين كان يشار إليهم بالبنان لكنهم كما سبق أن ذكرته قد عفا عليهم الدهر .
ثالثاً/ وكم كان في زمن ابن خلدون ومن الفقهاء ابن قدامه وابن رجب وابن قيم الجوزية ومن كبار المترجمين المزي والذهبي وابن كثير وإن اختلفت الفترة بين هذا وذاك كم كان مثلهم يعاصرهم فيصنف ويبحث بل ويكثر من هذا كله لكن أين هم ياترى ؟
وقس على هذا مثله فسوف تجد لوناً من أناس عاشوا لكنهم لم يعيشوا كما ظنوا لا بسبب شيء لكن بسبب تكرار النقل والحواشي والآراء الجريئة التي ظنوا أنها صحيحه فإذا هي تذهب في مهب الريح .
رابعاً/ وهذا في ظني منهم أشبه ما يكون بالمعاندة للفطرة فقد ظنوا أن ماكتبوه من أراء جليلة وقواعد جليلة فصدقوا أنفسهم وساروا على منهاج ليس بمناهج ولا يقوم وهذا اشبه اليوم بما يقوله دوماً محمد اراكون والجابري وما يذيعه كثيراً بجرأة عجيبة عدنان بن إبراهيم المهرج المعروف والذي خطأهُ كثير من العلماء ولاحظت عليه هيئة كبار العلماء إيراده كثيراً من الأحاديث والروايات الضعيفة عن الصحابه وسواهم ومثله اليوم كثير .
خامساً/ ولعل السبب حسب تحليلي للطبيعه الخليقة ن العلم واللغه صفتان ثقيلتان من صفات العقل السليم الصافي فلا ينفع في هذا ولا ذاك مجرد السرد للغة ولا للعلم ولا للروايات روايات للآثار او القواعد قواعد اللغة بل النافع بإذن الله تعالى شدة التأني وشدة التوقي ونسف الإتجاه بشدة نحو ( الأنا) والسير حثيثاً نحو التشبع من خلال العقل تشبع فهم صحة الآثار المنقولة لعلم اللغة وأسانيدها وحقيقة علمائها الذين تركوا النقولات عمن سبقهم وفهموه وعكفوا عليه ولم يرضوا مجرد النقولات فقط إنما لاحظوا بحسن خلق وحسن تدبر مكيث ثم فعلوها فعلوا الإضافات غير المسبوقة في المسارين معاً (العلم واللغة) .
سادساً/ ولهذا كان التجديد في ذلك الحين ولو جزئياً في باب من أبواب العلم أو في باب من أبواب اللغة كان التجديد هو ما أرادوه دون تخطئة لمن سبق أو تجهيل بل ذكروهم بخير وأدب مع أنهم قد بزوهم إلى اليوم بإضافات لم يكن لها مثيل .
سابعاً/ أقول ليس بصالحٍ لعلم اللغة أو العلم بوجه مطلق كثرة الكتابة والمواعظ والنصائح إنما الصالح هو حسب قراءاتي لسير الذين غيروا مجرى التاريخ هو قلة الكتابة وعِظم أدب الحوار أثناء الجدل او النقد والترصن لهيبة العلم ولهذا جاء في الصحيح ( ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه فأوغلوا فيه برفق ) ذلك أن من يتعجل الكتابة أو الطرح في الصحافة أو المجلات المحكمة أو المؤتمرات العلمية أو القضائية يظن أنه هو هو فيوغل في هذا الباب عميقاً عميقاً فيخال أنه كذلك يخال أن آراءه صحيحة مقبولة فيسير صوب هذا المسلك ثم هو مع الأيام يزري وانظر فقط ترجمة الجهم بن صفوان الترمذي أو ابن سبعين أو أن شئت الحلاج وسواهم خلق دون خلق عبروا وهم يعبرون .
ثامناً/ وواسع ما فعله السيرافي في هذا الباب في شرحه (كتاب سيبويه) لتجد الفرق بين عالمٍ وعالم ومضيف ومضيف ثم لعل الذهبي في نسق مختلف عبرت عليه القرون حينما ترجم لكل فئة بعينيها لترى من خلال ذلك الفرق بين قوم وقوم آخرين ولست بظنين على أحد من خلال هذه المجلة الرائدة الثقافية إذا ذكرت كتاب ( سير أعلام النبلاء ) ناهيك ما أضافه ابن كثير في تاريخه وكذلك ابن اثير في الكامل ( ولا ينبئك مثل خبير)
تاسعاً/ لا يمكن للعلم أن يقوم إلا بإذن الله تعالى ثم بعلم اللغة والنحو وبعلم البلاغة جنباً إلى جنب لا يمكن هذا فإن أنت تخطيت قولي هذا حينما تكتب أراء لغوية أو أطروحات علمية فإنك سوف تقع فيما لام به ابن الجوزي في كتاب ( الموضوعات ) وكذا ابن قيم الجوزية في كتابه ( المنار المنيف ) ثم تلاهما بعد ذلك مصطفى ابن صادق الرافعي في كتابه ( تاريخ الأدب العربي ) والآخر ( وحي القلم ) ولحقه الباحث المجدد محمود شاكر في كتابه ( المتنبي ).
عاشراً/ وإنما قصدي فيما قصدت أن الأدب وحسن الخلق والتواضع للعلم واللغة وقوة الفهم السديد والسعي نحو السبق النوعي هو المطلب في هذا الحين الذي ينشد فيه صاحبه نوعاً جديداً من الطرح ولعلي أهدف من وراء هذا في هذا الجزء الثالث وما سبقه أن تقوم الهيئات العلمية والمراكز وما يعقد من مؤتمرات أن تقوم بدور فعال صوب التجديد والقفزات النوعية تلك التي ينشدها العقل ويسعى إليها الفكر ويسعى إليها الرأي للوصول إلى الجديد من خلال هذه المؤسسات التي سوف تكون ردفاً محموداً للعقل المتكامل في تصوره وتطلعاته.