مرَّة جديدة يفتح كرسي بحث صحيفة الجزيرة للدراسات اللغوية الحديثة بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بابه على الواقع متخذًا من (أدب الشباب) في المملكة العربية السعودية موضوعًا لمرحلته الثالثة.
ليست مسألة اختيار أدب الجيل الشابِّ مسألة عزل له عن عامَّة الأدب، أو تأطير محدِّد يحصره، ويلغي انفتاحه على الأجيال الأخرى، بل يقوم الأمر على الإحاطة بالظواهر العامَّة، وقراءة منتج أدبي لا يشكُّ مطَّلع في قوَّة حضوره، وتأثيره في الحركة الأدبيَّة بعامَّة، ثمَّ الإسهام في تقديم هذا الأدب، وإظهار نماذجه العليا، وإيصالها إلى متلقين جدد تعريفًا بالأدب السعودي.
إنَّ الأدب شكل من أشكال الانفتاح على الحياة: يعبِّر عنها قبولاً، أو رفضًا، وحين تنتهي هذه الحياة، وتصبح تأريخًا يغدو هذا الأدب أحد صور عودتها، وانبعاثها من جديد في شكل نصٍّ خالد، وهو انبعاث له فورته الجماليَّة، وتشكُّلاته، وله - قبل ذلك وبعده - حمولته المعنويَّة من الأفكار، والقيم، والاتجاهات، تلك العودة هي انفتاحٌ آخر يتحصَّل عليه قارئ هذا الأدب حين يستردُّ طبائع الحياة، وتراكماتها، وما اندسَّ من الأفكار في ثناياه.
كيف يمكن - الآن، أو بعد زمن - أن نكتشف مرحلة دون أن نقرأ تمثــُّلها النصِّي الخصب الوافر: (الأدب)؟ الأدب هو مساحة المواربة، والأسئلة، والاحتمالات، هو اليقين المشكِّك، والشكُّ الذي لا يمكن لأحدٍ أن يخطئ يقينيتها متخفية، في هذه المساحة الواسعة تكمن صورة الحياة.
وهذا ما أحسب أنَّ القائمين على كرسي بحث صحيفة الجزيرة في هذه المرحلة - وفي كلِّ مراحله السابقة - قد قرَّروه واحدًا من الأسس المهمة التي تقوم عليها مشاريعه، وأبحاثه، وندواته: أن يكون الكرسيُّ منشغلاً بقراءة الواقع عبر أدوات المعرفة المتاحة.
إنَّ ما يمكن التوصُّل إليه عبر قراءة أدب الشباب ليس مجرَّد انعكاسات رؤية فقط. وإذا كانت الرؤية هي العنصر الأكثر ارتباطًا بالوعي، والهويَّة، فإنَّ المسارات والأشكال التي تنتقل عبرها هذه الرؤية مستحقة هي الأخرى قراءة واعية؛ فاللغة الموصلة، والشكل الفنِّي، ونوافذ التواصل مع الجمهور، وكلُّ ما يتصلُّ بتقديم النصِّ من أدوات مجال خصب للدراسة، والبحث، بل إنِّ الجمهور نفسه: القارئ المستجيب، والمنفعل ينبغي أن يكون موضع عناية؛ فهو لم يعد قارئـًا عاديًّا، بل غدا أكثر اتصالاً، وتفاعلاً، واستجابة بفضل قنوات التقنية.
وفي مسار موازٍ لمسار الكاتب، والقارئ هناك الناشر؛ فلا يمكن أن يُقرأ هذا الأدب الشاب دون أن يلتفت قارئه إلى التحوُّل في اتجاهات دور النشر بفعل قوَّة الموجة الشابَّة.
لا شكَّ في أنَّ لأدب الشباب سماته العامَّة، وإذا كان النصُّ الأدبيُّ - في حقيقته - شأنـًا شخصيًّا، وعملاً فرديًّا، له بصمته الخاصَّة، فإنَّ خروج تشابهات عامَّة، تطبع أدب الشباب، يعني أنَّ هناك فعالية للعصر، وأثرًا لتفاصيل الواقع، لا يمكن تحييده، أو تجاوزه.
وأخيرًا، فإنَّ توجيه جهود كرسي بحث صحيفة الجزيرة إلى أدب الشباب هو استثمار في المستقبل، وهو أيضًا رؤية تمدُّ خيوط آمالها نحو التجديد الذي لا ينقطع عن جذوره، بل يحاكي امتدادها، ويصنع هويَّته الفريدة، والأصيلة. وبين يدي هذه المرحلة الثالثة - وهي تخطو خطواتها الأولى - نكبر إسهام الكرسي في مراحله السابقة، ونتطلَّع إلى إسهاماته القادمة تحت قيادة جديدة، واعية، تتمثــَّل في أستاذ الكرسيِّ لهذه المرحلة الدكتورة دوش الدوسري، وفريق عمل الكرسي.
د. سهام العبودي - أستاذ الأدب والنقد المساعد جامعة الأميرة نورة