لعلَّ أهمَّ ما يميِّز العصر الذي نعيش فيه أنَّه عصر العولمة، وهيمنة الأقوياء على الضعفاء، وهو عصر المعلوماتية المعتمدة على التقانة والعلم، كذلك فإنَّه عصر التغيرات السريعة، سرعة البرق، وهو عصر السيطرة المادية وانحسار القيم المعنوية، وربما الأخلاقية، وفي ضوء كل هذا يبرز سؤال مهم يطرح نفسه علينا نحن العرب، مفاده أين موقع لغتنا العربية في ضوء هذا العصر العولمي؟
لو نظرنا في الواقع التقني للغة العربية، سنلاحظ أنَّ اللغة العربية لا تستخدم في الصناعة البرمجية، حتى تلك المصنَّعة محلياً، وكذلك سنلاحظ أن صناعة البرمجيات العربية تعاني ضعفاً شديداً بسبب اعتمادها على الحلول الجاهزة، وهذا ما يسهم في ضعف تطور البرمجيات بأدوات تدعم اللغة العربية، وربما كان السبب وراء هذا التأخُّر يعود إلى جملة من الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها منطقتنا العربية، إضافة إلى التخلف وعدم القدرة على مسايرة سرعة التغيرات والتطورات في هذا المجال.
ومن هنا يمكننا القول إنَّ المشكلة لا تعود إلى اللغة العربية بحد ذاتها، وإنَّما إلى الجمود الفكري لدى كثير من القيمين عليها، وإلى ضعف فكرة الانتماء الذي يشكّل للتطوير ومسايرة العصر، فاللغة هي الرمز الأهم للأمة والمعبِّرة عن كيانها وشخصيتها وهويتها.
إنَّ الخطر المؤثر في اللغة العربية في عصرنا يأتي من تهميشها لصالح اللغات المسيطرة عالمياً لا سيما اللغة الإنكليزية، من هنا لابد من إدخال اللغة العربية في نظم التواصل المعلواتي الحديثة ، على أن لا يكون هذا الإجراء سطحياً للتخلص من عقدة نعت اللغة العربية بالبداوة والتخلف والعجز عن مواكبة العصر، وتطوير وسائل تعليمها وتعلمها، والميل إلى التعريب والتخلص من عقدة أن جامعاتنا إذا أرادت مواكبة العصر عليها أن تعتمد اللغة الإنكليزية وسيلة للتواصل، وهنا نشير إلى أنَّ العناية بالعربية وتعريبها وتطويرها تقنياً وإدخالها في المجال التكنولوجي الرقمي، لا يعني التعصب ورفض اللغات الأخرى، فلا شك أننا الآن بتنا في عصر الثقافة الإنسانية، والمعرفة تطلب في أي لغة كانت، ولكن ذلك يعني الدفاع عن العربية والدعوة لأن تأخذ مكانها عالمياً وعربياً، ومن هنا نقول: إنَّ معرفة المشكلات التي تعاني منها اللغة العربية ضرورة في سبيل تطويرها في عصر العولمة، ولعل من أهم تلك المشكلات نقص الدراسات العلمية التي تتناول تيسر تعلمها وتعليمها، ونقص في الكشف عن فعالية بعض طرائق تعليمها، وكذلك النقص في استخدام التقنيات التربوية.
وفي سبيل مواجهة كل تلك التحديات لا بُدَّ من تعزيز الانتماء إليها، فالحفاظ عليها هو حفاظ على الهوية، وهو واجب مقدس، لا ينفي الانفتاح على الثقافات الأخرى، وكذلك لابد من زيادة المحتوى الرقمي على الشابكة، إذ إن ذاك المحتوى كما تشير بعض الدراسات لا يتعدى الواحد بالمئة على صفحات الويب العالمية، ولذلك لابد من زيادة المحتوى الرقمي على الشابكة بزيادة المواقع التعليمية والثقافية والمكتبات الإلكترونية العربية، إضافة إلى كل ذلك لابد من تعريب البرمجيات واستخدام العربية فيها، وفي البرمجيات الإدارية والحكومية.
لا شكّ أن كل ذلك يحتاج إلى توحيد المصطلحات العربية المتعلقة بالمعلوماتية، وكذلك يتطلب تأهيل الكوادر البشرية بالتقانات المعاصرة المرتبطة بالتأهيل اللغوي.
أخيراً لا شك أننا سنبقى محكومين بالأمل، ومتفائلين بالمستقبل، إلا أن ذلك يحتاج إلى عمل يقترن بالتفاؤل، {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.
- طامي دغيليب