للتو أفاق مطاوع أفندي من صدمة القرار الإداري الأخير والذي جاء كالعادة بناء على ماتقتضيه المصلحة العامة، أخذ يبحث عن المصلحة العامة في محيطه الذي يعمل فيه فلم يجدها ،حاول الاتصال بمهندس القرار الذي ذيل نزوته بتوقيعه العصامي فرفض اللقاء ! ،عاد المسكين إلى قواعده كسيرا حزينا يبحث عن المدعوة /المصلحة العامة عله ينعم بقرب يمكنه من وصالها.
كان صديقه عوض يشاركه الغرفة الصغيرة وقبلها الهم والغم، سأله ياعوض، اتعرف المصلحة العامة ؟
ضحك الأخير حتى استلقى على ظهره ثم قال:- سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله على يديه ، المصلحة العامة كما عرفها سدنتها أفعل ما تريد وأطره بتلك العبارة وأنت في حل من أمرين ،الأول تأنيب الضمير الذي كان ومايزال في إجازة مفتوحة عند البعض ،وثانيا المسائلة في ظل كهنوتية هذه العبارة وتابوهيتها.
عاد مطاوع أدراجه إلى مراتعه العملية تفحص الوجوه الشامتة ورآءها تنضح بالمصلحة العامة ،الأعين حوله تنشد تراتيلها الشامتة، والقلوب المريضة تنبض بالشكر لله أن جعل تلك العبارة
مطاطية تمتص صدمات اللوم وتشرعن الظلم وتضفي عليه أبعادا أخلاقية ومعرفية وثقافية.
المصلحة العامة لا يحكمها إلا قانون الغاب فالقوي يأكل الضعيف ،والضعيف مغفل وقوانين هذا الزمن تحرق المغفلين.
المصلحة العامة رداء وإزار ،يتقمصه أولى الصلاحية من أشباه أصحاب السعادة الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف؟ ويستطيعون الخروج من مأزق من أين لك هذا ؟.
أرباب المصلحة العامة يؤمنون أنها عمقهم الإستراتيجي وأيضا حديقتهم الخلفية التي يمارسون فيها عبثهم وتجاوزاتهم بعيدا عن نيران الأقلام والمواد وأجهزة الرقابة.
قرر مطاوع بعد أن تجاوزت الشماتة حدودها الإنسانية والأخلاقية أن يبحث عن صاحبة العصمة المصلحة العامة ،فلم يجد لها أثرا في حياته ،هي مجرد شعار كلامي يحضر عند اللزوم كالمسكن للمريض الذي لا يرجى برؤه ،ويستخدم كرأس حربة لوأد الأصوات الحرة والشخصيات المنتجة وطي حضورها لتصبح أثرا بعد عين.
ولأن التجديد من أهم متلازمات هذه المصلحة بل يعتبر نظريا مرافقها الأول في حلها وترحالها على الأقل في تعريفها اللغوي، إلا أن حضورها الاصطلاحي المعاصر قد شوهته النفوس المريضة المتخمة بالأنا الزائفة ،فمثلا..... البعض وهبتهم هذه المصلحة حصانة إدارية غريبة، فيظل في مكانه على كرسيه صامدا كتمثال أبي الهول العجيب، لا تغيره الأيام ولاتقادم الأحوال ولا تغير الأشخاص، بل على العكس تزيده صلابة وتجذرا في الأرض مما يصعب تشذيب تأثيره فضلا عن أن يقتلع من جذوره ومراتعه.
قذفت المصلحة العامة بمطاوع خارج الصندوق وأصبحت إقالته سطرا فاخرا في السيرة الذاتية لصناع ذلك القرار -الثلاثي الكوكباني- يفخرون بها ويرونها جزءا من عطاءتهم الخيرة للبلاد والعباد.
مطاوع يقول:- (لست سعود الفيصل ولا غازي القصيبي ،لكنني مواطن غار على بلده عندما حورت قوانين العمل الصارمة لتجعل من خادمة تصبح سكرتيرة ،وموظف يمسي فنيا ويصبح كاتبا ،ظننت أنني أدور فى فلك المصلحة العامة ومقتضياتها،أفقت على وقع الصدمة واكتشفت أنني في مجرة أخرى بنظام فلكي جديد يختلف عن ما عهدته وعشته وترعرعت عليه).
- علي المطوع