- 1 -
تُنهكني -بل تُغضبني -الصّور المُتكلّفة في العمل الأدبيّ؛ لذلك لا أستطيع مجاملة بعض الأصدقاء بالتلويح على منشوراتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى لو جاءت مستقيمة لغويًّا- وأعني بلغويًّا قواعد النحو والإملاء كتابيًّا فقط- بينما قد أُعجب، وأُعلّق على منشورات تمنحني الدّهشة حتى لو تخللتها تلك الأخطاء؛ ذلك لأنّني موقنة بأنّ الإبداع يُولد من الداخل، ولا علاقة له بمستوى تعليميّ.
متى جاء الإبداع متكلفًا -وإن حصّنه الكمال اللغوي- حامت حول صاحبه علامات الاستفهام، فقد يكون من ذوي الإبداعات المكتسبة -نتاج القراءة الدائمة- وهذا الصّنف من الكُتّاب عمره قصير جدا في الساحة الأدبيّة.
الأخطاء اللغويّة يمكن تجاوزها, بالدّربة, والتّمرس ذاتيًا، أما الأخطاء الأسلوبيّة، والتّكلف الأدبيّ , والصور عسيرة الهضم فمن وجهة نظري يصعب علاجها إذا تعلّق الأمر بذوق صاحبها,فالذي يُسعده أن يُشبّه( الدونات) المحروقة (بكفر) السيارة دون أن يُدرك مستوى الابتذال الذي وصل إليه، ليس كاتبًا وإن حاز على جوائز عالمية- لأنه قدّم عليها وفاز في ظل غياب الأكفاء عن هذه المنابر- نعم ليس أديبًا, ولو تملّقه النُّقاد والصحافة.
- 2 -
أنهيتُ من قريب قراءة عملًا أدبيًّا لأديب ترجم جُلّ أعماله لعدة لغات، كانت استعاراته ثقيلة حدّ الغثيان. له جمهور, وقراء -احترمهم بكل تأكيد- فالنّاس أذواق, لكنني أحزن وأنا أقرأ في مواقع التواصل الاجتماعي فكر جميل, وصور مدهشة لكتاب لم يتقدموا للساحة الأدبيّة الكبرى إما لتعليقات المختصين عليهم, أو توجيههم أمام العوام لوجود مثل تلك الهنات اللغويّة في منشوراتهم وتغريداتهم,على أننا لو عدنا بالذاكرة إلى الخلف لوجدنا أن التاريخ لم يذكر لنا أن أدب العظماء قد ضبط لغويا على أيديهم, وخير شاهد على ذلك ماجاء في كتب تاريخ الأدب التي أكدت أن الآداب في فجرها الأول قد وصلت إلينا عن طريق الرواية الشفهية، إما لأنّ الكتابةلم تكن معروفة آنذاك,أو لندرة متقنيها.
فقد كان للرواية الشفهية فضل كبير في وصول الشعر القديم إلينا حيث كان لكل شاعر رواية يحفظ شعره، ويرويه عنه. فالشاعر زهير بن أبي سلمى على سبيل المثال كان راوية للشاعر أوس بن حجر، ثم روى عن زهير ابنه كعب, وهذا مايُعرف بالرواية الفردية. أما الرواية الجماعية فتتمثل في أفراد القبيلة، الذين يحفظون شعر شاعرهم؛ ليتفاخروا به بين القبائل الأخرى.,هكذا استمر الأمر عبر الرواية الشفهية إلى أن بدأت الرواية التدوينية في العصر العباسي.
نحن لم نرَ كيف كان يكتب جرير والفرزدق وامرؤ القيس، والمتنبي و..و..و ولانعلم من دوّن لهم حتى وصل إلينا أدبهم بهذا الكمال اللغوي, والإبداعي.
إنّ بعض هؤلاء الذين تربكهم الهمزة المتوسطة, والفرق بين الضاد والظاء, واللام الشمسية, والقمرية, يبدعون التراكيب المدهشة من أعماقهم.
وربما كان السبب في عدم وصول إبداعهم إلى المطابع, ودور النشر تعجرف البعض وتندّره.
المبدع الحقيقي بحاجة إلى دعم من المختصين؛ ليظهر إبداعه للنور,فالخيال موهبة عظيمة لايتقن حياكته إلا من امتلك عمقًا إنسانيًّا.
لايعني هذا أنني أنادي بهللة اللغة المكتوبة ,فهذه الخصوصية أطالب بها فقط للمتفردين فكريًّا, الذين ينسجون برؤيتهم الإبداعية أفكارًا خلّاقة تملاؤنا وعيًّا.
للمبدعين:
اكتبوا جمالكم الذين تحملون، ولا تجعلوا من الأخطاء الإملائيّة والنحويّة عائقًا تخجلون منه,فما أوجد الله المدققين اللغويين عبثًا.
- د. زكية بنت محمد العتيبي
Zakyah11@gmail.com