علي الخزيم
انقضى ما يسمى بيوم عيد الحب المصطبغ باللون الأحمر رمزاً لهوى العشاق، وقلت (الهوى) لأنه أول درجات الحب التي تضم عند أكثر العرب أربع عشرة درجة، وعدَّها بعضهم أكثر من الثلاثين، والهوى: أول درجات الحب، ويعني ميل النفس إِلى الشهوة، هكذا، فقالوا إن من بدايات الحب الميل للشهوة فقط، وهم لا يعُدُّون هذا حباً بل ضرب من العبث واللهو الصبياني، ويرون أنه حالة عابرة سرعان ما تغيب إذا ما غاب المعشوق عن العين، فهي لا تعدو أن تكون نزوات خاطفة مردها شهوة آنية، غير أن العرب بتفريعاتهم لمعاني الحب بلغتهم العظيمة التي سَحَرَت الشعوب بجمالها ورونقها واتساع آفاقها وتلاطم بحورها؛ برهنوا أنهم خير من يعرف للحب معنى ويؤدي حقوقه، ولم يعرف الشعر قديمه وحديثه عربيه وأعجميه أبلغ من أدوات الشعراء العرب، ولا أجمل من صورهم وتصوراتهم للحبيب ومرابعه واشراقاته بين المضارب، حتى أن خياله يبقى في ذهن الحبيب بعد رحيله بين الأطلال وكانت من أبدع الصور الجمالية لديهم، ولعنترة في عبلة:
(مرنحةُ الأعطاف مهضومةُ الحشا
مُنَعَّمة الأطراف مائسة القدِّ
يبيتُ فتاتُ المسك تحت لثامها
فيزداد من أنفاسها أرج الندِّ)
ولم يعرف عن العرب أنهم قد حددوا يوماً للحب؛ فهو عندهم قابل لكل موسم وتحت أي ظرف وبيئة، فهو من القلب للقلب، تُطوِّعه المشاعر والأحاسيس تحت كل المُناخات، وتذلـله لكل الطوارئ والمفاجآت، هو عندهم غذاء وجداني غالي الأثمان المادية والمعنوية، لا تنتزعه من شغاف قلوبهم زلَّات أو عثرات عابرة، قال أحدهم:
(الحب ليس أزاهيرا وأردية
وليس يوماً به للقس نحتفل
وليس في حُمْرة الألوان فاقعة
لكنه في طوايا الروح يعتمل)
ويقول الدكتور فواز اللعبون:
(لو أنّ مَن أهوَى تُهينُ عفافَها
أتُرَى أهِيمُ بسِحرِها إعجابا
الحُبُّ لولا عِفّةٌ تسمو بهِ
ما كان إلا لعنةً وعَذابا)
ومما تناولته مواقع التواصل الاجتماعي صور معبرة بهذه المناسبة الموسومة بعيد الحب، فمن معترض منصف ينتهج نهج الأجداد بحسن الوداد والوئام مع الجميع وأن الحب ليس سلعة تباع وتشترى، إلى هاو (مدرعم) مندفع فَهِم الحب كونه اقتناص فرص ساذجة لعلاقات (برقية خاطفة)، فهذا الصنف قد جانب الصواب إلى لحظات لهو وعبث يندم عليه سريعاً، فهذه الدرجة (الهوى) دونها درجات جسام يترقَّى بها من ولج بحر الحب، وكلما كان حبه صافياً صادقاً عفيفاً تتحقق له بقية الدرجات وتتغلغل في طبقات وشغاف قلبه، وتُذيب فؤاده لظىً وجوىً مُحَبّباً، حتى ينال وينعم بنشوة الحب الذي عَنَتْه العرب قديماً وحديثاً، وأقول العرب لأنهم بحدود معرفتي خير من أحب واعْرَف الخلق بالوجدانيات! وحتى تتعلم الحب الأصيل يجب أن تتخطى 14 مرحلة؛ فتمر بالصبوة ثم الشغف ومعناه ان الحب لامس قلبك لتنتقل إلى الوَجْد والكَلَف والعِشْق، وان كنت جاداً لا بد أن تَعْبُر: النَّجْوَى والشّوق والوَصَب، بعدها مراحل توصلك للقمة (الغرام فالهيام).