سلمان بن محمد العُمري
ألفنا في السنوات الأخيرة تقاذف التهم والتنصّل من المسؤوليات بين عدد من الأجهزة الحكومية وكل يعلّق فشله وإخفاقه على شماعة غيره وذلك عند وقوع الأزمات والكوارث ومن ذلك المطر، فتارة يتم تحميل البلديات المسؤولية بأنها سمحت بالبناء في حرم الأودية ومجرى السيول، وأخرى بأنها لم تنفذ المشروعات الخاصة بتصريف السيول أو أنها لا تقيم الصيانة اللازمة لها فيتعذر الاستفادة منها عند الحاجة، ثم تتوالى التهم الأخرى للجهات المعنية بالبيئة والأرصاد أنها لم تحذر من كميات الأمطار المتوقعة وتوقي الحذر من المواطنين والمقيمين أو من الجهات المعنية بتصريف الأمطار، ويدخل الدفاع المدني في المسؤولية وتدافعها ونقلها لجهات أخرى وهكذا الحال من جهة لأخرى وفي كل مدينة أو بلدة بلا استثناء. والحق أنها مسؤولية مشتركة ولا يقف الأمر عند جهة دون أخرى، والبناء غير المخطط وفي حرم الأودية لم يقتصر على المساكن بل تعدى ذلك إلى مستشفيات ومدارس وكليات وملاعب رياضية، والأدهى من ذلك المنشآت الحديثة التي عرى المطر سوء تنفيذها وفضح رداءة العمل.
مع كل هذه التصاريح والتهم المتبادلة انبرى مسؤول يقدر المسؤولية والميثاق الذي عاهد الله عليه أمام ولي الأمر وأعلن أن أي تقصير من أي جهة حكومية لا يرضيه ولا يرضي ولي الأمر في المقام الأول.
لقد أعلن صاحب السمو الملكي أمير المنطقة الشرقية الأمير سعود بن نايف أنه المسؤول، وتحمله المسؤولية عن كل ما حدث ويحدث في هذه المنطقة وقدّم درسًا مجانيًا للمسؤولين الذين يتهربون من تحمل المسؤولية!
وحينما عقد سموه اجتماعًا طارئًا بمكتبه عقب نزول المطر مع عدد من مسؤولي المنطقة للاطلاع على وضع المنطقة بعد الأمطار التي شهدتها مؤخرًا.
قال سموه في بداية الاجتماع: «نحمد الله كثيرًا على ما أنعم به على منطقتنا من الغيث وهو أمر يُشكر ندعو الله أن ينفع به البلاد والعباد، وأيضًا نحمد الله لم يكن هناك أي إصابات في أي مكان في المنطقة هذه من نعم الله التي يجب أن نشكرها»، وأضاف: «الحقيقة المواطن دائمًا على حق، والمواطن له أيضًا الحق أن يعرف، اجتمعنا هذا اليوم ليس للتبرير، بل بالعكس اجتماع لمعرفة تفاصيل الأمور».
وتابع: «نحن نعرف أنه كان هناك كمية هائلة من الأمطار، ونعرف أيضًا أنه كانت هناك بعض الأضرار، وهذا الاجتماع يمثل جميع الجهات المعنية، وسننظر للأمور التي فيها قصور؛ وما الجهة المسؤولة عنها، وستوضع الحلول الملائمة لعلاجها، وأيضًا سنقدم الشكر الجزيل للجهات التي كان لها دور بالغ ومساهمة كبيرة في رفع الضرر، فكما نلوم نود أن نشكر».
ابتدأ الأمير سعود هذا الاجتماع بوضوح شديد للجميع، بأن هذا الاجتماع ليس للتبرير أو الاعتذار وإن كان هناك أمر يوجب الاعتذار فنحن أولى بأن نعتذر».
ومما قاله سموه: «لقد أديت القسم أن أكون مخلصًا لوطني وللعمل على خدمة المواطن والمقيم في هذا البلد، وسأتحمل المسؤولية عن كل ما حدث ويحدث في هذه المنطقة».
من أشهر المقولات لدى علماء الإدارة عن القيادة والمسؤولية: إن الميزة الوحيدة التي تجمع بين الناجحين في العالم تكمن في قدرتهم على تحمل المسؤولية.
وأحسب أن ما قاله سموه لمسؤولي الأجهزة الحكومية هو صورة مثلى للقائد الناجح والإداري المتميز في تحمله المسؤولية وإعلانه تطبيق مبدأ الثواب والعقاب.
لقد قررت الشريعة الإسلامية مبدأ المسؤولية الشاملة في المجتمع وحملت كل فرد فيه مجموعة من المسؤوليات التي تتفق وموقعه وقدراته، ويُعد الحديث الآتي أصلاً من أصول الشرعية التي تقرر مبدأ المسؤولية الشاملة في الإسلام، عن عبدالله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته؛ الإمام راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤولٌ عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤولٌ عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته».
شكرًا لصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف على اهتمامه ومتابعته، وتأكيد سموه بأننا لا نُبرّر الأخطاء والاعتذار واجب. لهي شجاعة وثقة في النفس على إصلاح الأخطاء ومعالجتها؛ورسالة للخاملين الذين يرمون كل مشكلة على العاملين، والنجاح لأنفسهم وهو ثمرة تخطيطهم ومتابعتهم وهم أبعد الناس عن العمل الجاد والكذب وتزييف الحقائق.