م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني
تمتد عبر سهول ووهاد الجزيرة العربية أودية عظيمة تكونت بفعل التغير التضاريسي الحاد بين غرب الجزيرة العربية وشرقها ففي غربها تمتد سلسلة شاهقة الارتفاع من الجبال الصخرية المحاذية للبحر الأحمر التي يصل ارتفاعها لأكثر من 3000م في كثير من مواضعها وما شرق هذه الجبال تتكون هضاب متدرجة الميول حتى تصل إلى الخليج العربي ومن أهم هذه الهضاب (هضبة نجد) التي ترتفع أكثر من 600م عن مستوى سطح البحر.
وللأودية أهمية عظمى في نقل المياه من منطقة إلى أخرى فهي مثل (الأنابيب التي تنقل المياه مسافات طويلة وهذه الأودية أوجدها الله سبحانه وتعالى كي تنقل المياه حسب طاقتها من منطقة تشهد أمطارًا إلى منطقة أخرى أقل مطرًا فيزداد منسوب المياه فيها.
يقول الله سبحانه وتعالى: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أودية بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أو مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ} (الآية 17 سورة الرعد).
وفي الجزيرة العربية أودية عديدة القاعدة الأساسية في اتجاه جريانها أنها تتجه من الغرب إلى الشرق حيث تبدأ غالبًا من سلسلة جبال السروات ثم تنحدر تدريجيًا إلى الشرق وبعض منها يتجه إلى الغرب حيث تصب في البحر الأحمر ومن أشهر هذه الأودية وادي الرمة الذي يخترق هضبة نجد مبتدئًا من (حرة خيبر) شمال المدينة المنورة مبتدئًا من قمم جبال الأبيض والأبيض وقمم حرة خيبر البركانية وقد تكون الحرة البركانية سببًا طبيعيًا لجمع مياه الأمطار في هذه المنطقة حيث إن أساسها الصخري ذو المساحة الواسعة صار كالصبة الخرسانية التي تمنع ضياع مياه الأمطار وامتصاص التربة لها كما يحصل في المناطق الرملية كما أسهمت الميول القوية والانحدار لشعاب وأودية هذه الحرة في كونها أنابيب لتجميع المياه من مسطحات الحرة ونقلها إلى شعاب أكبر منها حتى تصب في مجرى الوادي الرئيس
(catchment aria) الذي تتجمع فيه في النهاية كل سيول المساحة الواسعة أو ما يسمى بحوض التصريف لوادي الرمة وهذا الحوض ذو مساحة واسعة تتخلله أعداد كبيرة من الشعاب والأودية في مناطق المدينة المنورة وحائل والقصيم التي تتجه من الشمال للجنوب أو العكس حتى تصب في السهول الواسعة التي يقع فيها مجرى وادي الرمة ولكن أغلب هذه الأودية وأكثرها في كمية التغذية هي التي تقع في حرة خيبر حيث تستقبل كميات كبيرة من الأمطار وتندفع بقوة دون فقدان نسبة كبيرة منها حيث إنها في منطقة صخرية لا تجرف معها الأتربة ولا يتسرب منها شيء لباطن الأرض، كما أن مقطعها محدود مما يساعد في سرعة الجريان للمياه إضافة للميول القوية لها وذلك حسب معادلة جريان السوائل Q=A*V
Q هي كمية المياه الجارية في الوادي هما مساحة مقطع الجريان. وسرعة الجريان التي تتأثر بالاحتكاك بتربة الوادي الطينية A ، v أو الصخرية وبشكل رئيس بالميول وإذا طبقنا هذه المعادلة على وادي الرمة فإن مساحة المقطع تزداد في الروافد المغذية له وتقل في الوادي ولذلك فالتغذية له سريعة من الروافد التي هي ذات مقطع صغير وميول قوية وأرضية صلبة في أعالي وادي الرمة ولذلك فإن الداعم الرئيس لجريان الوادي هي الشعاب والروافد التي تصب فيه متجهة من الشمال للجنوب ومن الجنوب للشمال متجمعة من مرتفعات جبال السروات التي ترتفع إلى أكثر من 1900م عند جبل الأكليل الواقع غرب الحويط بمنطقة حائل، كما أسهمت الطبيعة البركانية لحرة خيبر بالميل المتدرج للحرة والجبال البركانية من الغرب للشرق وبميل قوي يزيد عن 1 في المائة في كثير من الأودية التي تخترق الحرة وتصب فيها المياه المتجمعة من كل الاتجاهات لتصب في النهاية بوادي الرمة ولذلك فإن وادي الرمة يندر أن يسيل إذا كان السيل على منطقة القصيم فقط بالرغم من أن مسافته التي يقطعها فيها أكبر من المسافة التي يقطعها في كل من المدينة وحائل وسيلة العظيم يحدث في حالة وجود مطر غزير على روافده في بدايته حيث إنها على صخور صلبة وذات ميول قوية يندفع فيها الماء بسرعة وبطاقة عالية في الحركة تتحد مع الروافد كلها لتكون طاقة دفع للماء لا تتوقف إلا في سهول القصيم الواسعة الممتدة شرقًا حيث تقل ميول الوادي كثيرًا في منطقة القصيم بميول لا تساعد على الجريان إلا في حالة وجود مياه كثيرة تتراكم فوق بعضها لتتغلب على ضعف الميول وزيادة مقطع الجريان الذي يصل أقصى اتساع له في منطقة القصيم وخصوصًا في المثلث الواقع بين كل من الرس ورياض الخبراء والبدائع حيث إن ضعف الميول ساعد على ترسب طبقات الطمي على مدى 10000سنة هي فترة بداية توقف جريان (نهر الرمة) الذي كان نهرًا جاريًا في العصور المطيرة الذي ينتهي بشواطئ الخليج العربي الشمالية قرب البصرة ويشهد على ذلك الغابات المتحجرة التي وجدت على ضفاف وادي الرمة وقيعانه الصخرية والرملية التي انطمرت بالطمي المتراكم الذي كون من الوادي سهولاً خصبة للزراعة في منطقة القصيم ومخزنًا للمياه الجوفية حيث يلاحظ أن مدن القصيم لا توجد إلا على ضفاف وادي الرمة سواء الشمالية أو الجنوبية وذلك لأن سيلان الوادي يزيد من مستوى المياه الجوفية التي تنقص بالسحب وكلما جرى الوادي زدت هذه المياه وكون مصدرًا للحياة في وسط صحار مجدبة.
كيف يمكن تسييل وادي الرمة؟
وادي الرمة العظيم كان في غابر الأزمان (نهر الجزيرة) بلا منازع ومن أعظم الأنهار وأخصبها يدل على ذلك تلك الأشجار الضخمة المتحجرة على ضفافه وتلك الحضارات البائدة بالقرب منه التي لم يبق من رسمها إلا النقش على الأحجار.. هل من الممكن أن يعود نهرًا كما كان الجواب لا يمكن ذلك إلا بعودة العصر المطير إلى جزيرة العرب.
ها نحن نرى أن هذا الوادي يجري جريانًا يشبه النهر بمجرد هطول المطر بغزارة لأيام قليلة فالله قد هيأه كنهر جارٍ ومهده أحسن تمهيد ولم يحرم على الإنسان التفكير والسعي في دروب الأرض وفجاجها والنهل من خيراتها، وتسييل الوادي حلم من الأحلام يراود كل سكان الجزيرة العربية ووديانها وسهولها وبساتينها الفيح ورياضها الخضر، ومزارعها التي يبست نخيلها عطشًا ووديانها التي صارت هباءً وغبارًا.
الفكرة الأولى تسييل الوادي بمياه الأمطار
تتمثل هذه الفكرة بتجميع مياه الأمطار التي تنساب عبر أودية الحجاز الواقعة إلى الغرب من جبال السروات التي تندفع إلى البحر الأحمر وحجزها قبل أن تصل إلى البحر ومن ثم إعادة ضخها إلى منابع الوادي بالقرب من جبل الأكليل غرب الحايط وشمالي خيبر ويتم التجميع عن طريق وضع سدود ضخمة لحجز كميات المياه المطرية الكبيرة التي تندفع من قمم جبال السروات حافرة الأخاديد في الأرض وجارفة معها كميات هائلة من التربة والمزارع لتضيع في البحر الأحمر هباءً وهنا أنادي وزارة الزراعة بإقامة هذه السدود في مواقع مناسبة بمجاري الأودية التي يمثل حوضها الكبير مواقع خزانات مناسبة لهذه المياه خاصة أن أراضي الدرع العربي صخرية كاتمة للتسربات ولا تسمح إلا بتسرب كميات قليلة من مياه الأمطار ومن ثم ضخ هذه المياه المتجمعة إلى حوض ضخم يتم تصميمة وتنفيذه بأعلى جبال السروات التي ينبع منها الوادي ويتم اختيار موقع هذا الحوض بحيث يكون حوضًا طبيعيًا تحجز جهاته الأربع إن وجد حوائط صخرية طبيعية أي يكون بحيرة في أعالي الجبال
ويمكن اختيار مجرى الوادي الطبيعي في أعلى نقطة منه ووضع سد من جهته الشرقية لجمع مياه الأمطار ومن المعروف أنه كلما قلت مساحة السطح المائي المعرض للشمس قلت نسبة التبخر، ومن المعروف أن كميات الأمطار التي تسيل عبر الأودية كميات هائلة وقد أحسنت وزارة الزراعة ببناء سدود على كثير منها وتختزن هذه السدود ما يزيد على 2.5 مليار متر مكعب سنويًا من مياه الأمطار وهو ما يمثل حوالي 2 في المائة من مياه الأمطار التي تهطل سنويًا على المملكة ومن المناسب جدًا وضع سد على أعلى منابع وادي الرمة بهدف خزن مياه الأمطار التي تصب على منابعه وتجميعها على مدار العام حيث إن قطرة مع قطرة ومطرة مع مطرة ستمثل كمية كبيرة من المياه والكمية اللازمة لإسالة الوادي على طول مجراه الممتد بمسافة 500كم حتى تحجزه كثبان الرمال تبلغ 25 مليون متر مكعب من المياه هذا إذا كان عرض الجريان 100 متر وعمق المياه 50 سم وإذا افترضنا أن ما يتبخر أو تمتصه التربة 50 في المائة فمعنى هذا أن الكمية الواجب تخزينها لتسييل الوادي تبلغ 50 مليون متر مكعب وهي تمثل ما مقداره 2 في المائة فقط من المياه المخزنة سنويًا بكل سدود المملكة، والوادي المناسب لتجميع مياه الأمطار منه وضخها لمنابع وادي الرمة هو (وادي الحمض) البالغ طوله 450 كم وهو وادٍ عظيم حيث إنه الوادي الثالث طولاً بين أودية الجزيرة العربية الذي يبدأ من شمال المدينة المنورة وينتهي شمال أملج وتسيل عبره كميات هائلة من الأمطار التي تضيع هباء في البحر الأحمر ومن ميزات المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام إنها تقع على وادٍ خصيب تبدأ مجاريه من الطائف ويمر بمهد الذهب حتى يصل إلى شمال المدينة المنورة وهو المسمى (وادي قناة) مارًا بجانب جبل أحد حتى يتصل بوادي الحمض العظيم (وادي إضم) ويتجه شمال المدينة المنورة مارًا غرب خيبر ويلتقي في هذه النقطة مع الوادي المسمى (وادي الجزل) القادم من جنوب تبوك ويلتقي في هذه النقطة أيضًا مع وادي خيبر القادم من الشرق لتجتمع الأودية الثلاثة ويتحد مجراها في مجرى وادي الحمض المتجه للبحر الأحمر.
الآلية المقترحة لتسييل وادي الرمة من مياه السيول
* الخطوة الأولى: (وضع سد على وادي خيبر) في مجمع الأودية الذي يقع غرب خيبر على بعد حوالي 60كم من منابع وادي الرمة ومن محاسن الصدف التي قيضها الله سبحانه وتعالى أن هذه الأودية الثلاثة العظيمة تجتمع كلها في نقطة تقع إلى الغرب تمامًا من منابع وادي الرمة ومن هنا فإن الفرصة مهيأة تمامًا لجمع مياه الأودية الثلاثة في نقطة واحدة وهي المياه التي تضيع هباء في البحر الأحمر ويتم بناء هذا السد بطاقة تخزينية لا تقل عن 150 مليون متر مكعب من المياه ويتم بناءة في النقطة التي تجتمع فيها مياه الأودية الثلاثة ومن ميزات هذا الموقع تنوع فرص هطول الأمطار جنوبًا على المدينة المنورة وشمالاً على تبوك وشرقًا على خيبر حيث إن هذه الأودية تقع في منطقة تهامة الشمالية التي تتميز بغزارة أمطارها وإن كانت أقل من تهامة الجنوبية حيث إنها تقع غرب سلسلة جبال السروات أما وادي الرمة الواقع إلى الشرق من هذه السلسلة فهو نادر الأمطار وتمر سنوات طويلة دون أن يسيل وهيأ الله هذه الأودية التي تسيل سنويًا بكميات كبيرة بالقرب منه لتصبح مصدرًا لتسييله.
* الخطوة الثانية: يتم وضع سد كبير على منابع وادي الرمة بالقرب من الجبل الأبيض الواقع بالقرب من خيبر ليجمع كميات من مياه الأمطار التي تتجه لوادي الرمة وهي قليلة بالطبع ولكن لتصبح رافدًا للمياه التي تجتمع في السد المقترح في مجمع الأودية في (1) وليصبح كبحيرة لتخزين مياه الأمطار بسعة تخزين لا تقل عن 100 مليون متر مكعب من المياه سنويًا ويتم اختيار موقعه بحيث يتم تصميم جوانب حماية من الخرسانة وبأرضية صلبة من الصخور البركانية غير المنفذة للمياه وإن تطلب الأمر صب الأرضية لمنع تسرب المياه وزرع أشجار كثيفة على الجوانب لتقليل نسبة تبخر المياه.
* الخطوة الثالثة: تهذيب مجرى وادي الرمة لمسافة تصل إلى وسط منطقة القصيم حيث إن ميول الوادي الطولية تكون كبيرة في أعاليه (3 في المائة ) وهي ميول تساعد على سرعة الجريان وتقل الميول عند أواسط منطقة القصيم حيث تزداد كميات الإرساب نظرًا للوصول إلى نهاية الوادي ويجب أن يتم تهذيب المجرى بحيث يصبح بعرض 30م وذلك أنه كلما تم تقليل عرض المجرى زادت سرعة الجريان ويتم تهذيب المجرى لمسافة 300كم أي بحوالي 9 ملايين متر مكعب من المياه كمرحلة أولى ندرة جريان الوادي في السنوات الأخيرة.
وإذا افترضنا تسرب وتبخر بنسبة فسنصل إلى نتيجة أن لدينا مجرى وادٍ يسيل بمياه بعمق نصف متر تملأ المجرى بطول 300كم وبعرض 30م، وسيتم استعراض الفكرة الثانية لتسييل الوادي في مقال قادم إن شاء الله.