د.خالد بن صالح المنيف
في مطار (شيكاغو) الصاخب لاحظ أحد القادمين مشهدا عجيبا: فقد شاهد أحد رجال الأعمال وهو ينهي إجراءات سفره يتعامل بقسوة وصلف مع العامل الذي كان يحمل شنطه، وما اكتفى بهذا بل قام بتوجيه الإهانات لذلك العامل والذي كان في غاية الهدوء ولم ينبس ببنت شفة! وبعد أن انتهت إجراءات السفر، ذهب صاحبنا إلى العامل لتطييب خاطره والثناء على ضبطه لمشاعره وعدم مجاراة رجل الأعمال في حماقته،فرد العامل بهدوء: الأمر سهل!هذا الرجل سيتوجه لنيويورك أما أمتعته فستتوجه لأوستن!
وهكذا يفعل عدم تقدير الناس! وقديما نصح المرشد الإنكليزي (تشارلز سبورجين) الذي سطع نجمه في القرن التاسع عشر قائلا: انقش اسمك على القلوب لا على الرخام! وأفضل وسيلة لهذا هو تقدير الآخرين!
يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله: (نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم) ويعتبر تقدير الناس ركيزة مهمة وركن ركين في الأدب والأخلاق ؛ فلن ينبضَ من أجلك قلبٌ ولن تهتزَ لوجودك روحٌ ولن تُقبل منك موعظة ولن تطرب أذنٌ لحديثك وأنت لا تُقدّر من حولك.
ومن الحقائق الثابتة أن الأشخاص الذين يملكون تقديرا عاليا لذواتهم هم من يقدر الآخرين، لأن ذلك يحرضه على التعامل المتحضر والتعامل الراقي مع الآخرين والتعفف عن الكبر والغرور، وما يشكل جرحا لمشاعر الآخرين، أو خللا بالآداب الأنيقة.
إن تقدير الناس سلوك حضاري ومطلب إنساني به تسمو العقول ويسود السلام وتصفو الأرواح ويعلو الحب، ودونك بعض السلوكيات التي تنم عن تقدير عال للآخرين:
1. قدرهم... باحترامهم احتراما غير مشروط بمشاركتك في عرق أو جنس أو دين أو مذهب ومن أراد أن يبادل التقدير، فليعامل الآخرين وفقا لقوانين مبادئ ثابتة ؛ لأن الشخص المحترم المتحضر، لا ينتق ولا يتلون، بل يحترم الكل ويقدر الكل ويكرم الكل، ولهذا فإنه محترم ومقدر من قبل الجميع.
2. قدرهم...بتلمس إيجابياتهم وتسليط الضوء على نقاط قوتهم والثناء عليهم ثناء صادقا.
3. قدرهم... برصدك لكلماتهم الطيبة وسلوكياتهم النبيلة،وحتى ممتلكاتهم، ملابسهم عطرهم ،فكونك تثني على أناقته أو تبدي إعجابا بعطره لاشك أنه علامة للتقدير.
4. قدرهم... بالاعتذار عن الخطأ، والمسارعة إلى مساعدتهم في ساعة ضيق أو كرب!
5. قدرهم... باحترام اجتهاداتهم واختياراتهم وأذواقهم ما دام ذلك في إطار المباح والمشروع.
6. قدرهم... بانتقاء أجمل وأروع وأعذب الكلمات عند محادثتهم والتعفف عند الالفاظ السوقية والعبارات المبتذلة.
7. قدرهم... بعدم إحراجهم أو جرح مشاعرهم ،قدرهم بأن تتأنق في تعاملاتك معهم!
8. قدرهم... باحترام خصوصياتهم وعدم تقصي أخبارهم أو تحري تفاصيل حياتهم.
9. قدرهم...بأن تكون ذاكرا شاكرا لأفضالهم عليك ممتنا لجميلهم، محييا لمعروفهم بذكره والثناء عليه.
10. قدرهم...بأن تراعي حقوقهم وأن تحترم مواعيدهم وأن لاتبخسهم أشياءهم ولا أفكارهم.
11. قدرهم... من أن ترفع وتحترم كل ما ينتمون له كأوطانهم وقبائلهم وحتى شركاتهم وكذلك كل ما ينتمي لهم كأولادهم وأفكارهم.
12. قدرهم... بإيداع قيمة مضافة لهم بنفعهم والتنبيه على أخطائهم برفق ولطف.
13. قدرهم... بالسؤال عنهم وتلمس حاجاتهم ومبادلتهم ألوانا جميلة من المشاعر الإنسانية الراقية.
14. قدرهم...بمشاركتهم أفراحهم ومقاسمتهم همومهم وحمل شيء من أعبائهم دون تضييع لأولوياتك.
15. قدرهم... بالإنصات العاطفي والتفاعل إيجابيا مع طرحهم!
16. قدرهم... بأن تستقبلهم بحرارة وشوق وأن تودعهم بحرارة ورجاء لقاء، حسسهم بأهميتهم!
17. قدرهم...بأن تستقبلهم بابتسامة عذبة وثغر باسم وروح مشرقة!
كن جدولا رقراقا أيها الأنيق لاينفك عن التقدير بكل أدواته وأساليبه كن نبعا من الأخلاق يفيض احتراما وعرفانا!
ومضة قلم
السمعة الطيبة والذكر الحسن أو العكس هي مجموع لاختياراتنا اليومية.