فيصل خالد الخديدي
عندما يقوم الفن على الفكرة ويصبح المنتج الفني تابعاً للفكرة وخادماً لها ويصبح الفكر الإنساني هو المحور والآلة المنتجة للفن ويكون الفنان مفكراً وفيلسوفاً أكثر منه حرفياً مهارياً فإن ذلك ارتقاء متكئ على قاعدة من الوعي والفكر والفلسفة والنضج في التجربة الفنية والإنسانية والفكرية محققة بذلك الكثير مما تسعى إليه الفنون المفاهيمية بحضور الفكر والفلسفة العميقة ويصبح كل ما هو متاح من الوسائط شريكاً في تنفيذ الفكرة وتقديمها في قالبها الفني الجديد الذي يبدعه الفنان.
بدأ الفن المفاهيمي مع مطلع القرن العشرين وقد مهدت له الدادائية وألقت بظلالها عليه, وجاء نتيجة لاتساع أفق الفنان وتطلعاته التي لم تحققها له الأعمال التقليدية والمفهوم الضيق الذي عانى منه بين مفهوم الفن واللا فن, ولعل عمل الفنان مارسيل دوشامب «مبولة» والذي كان من البورسلان مسبق الصنع ووقّعه الفنان بأحرف غير اسمه «د.مون» وقدمه كقطعة فنية تحمل أسم النافورة محاولاً الانتقال بعمله هذا من سياقه الطبيعي إلى سياق آخر من صنع فلسفة الفنان أعاد فيه صياغة مفهومه وفق تصوره وفاتحاً بذلك السؤال بين ما هو فن وما ليس بفن ليؤسس لمرحلة جديدة في الفنون المعاصرة, وهو ما أكد عليه «جوزيف كوزوث» أحد رواد المفاهيمية في قوله: (إن جميع الأعمال الفنية بعد مارسيل دوشامب هي أعمال مفاهيمية بطبيعتها لأن الفن خلق مفاهيمي) وقدم في البدء كوزوث عمله (كرسي وثلاث كراسي) والذي اشتمل على كرسي وصورة الكرسي وتعريف ومعلومات عن الكرسي ويعتبر الكثير من النقاد أن عمله هذا هو البداية الحقيقة للفن المفاهيمي، وظهر الفن المفاهيمي بشكل موسع للمرة الأولى في متحف ليفركوسن بألمانيا في عام 1969م في معرض سُمي بـ (مفهوم).
والفن المفاهيمي يعتمد على مفهوم الشيء لا جمالياته بل يهمش الجمال ويزيح دور الفنان الماهر, وهو فكري حدسي يعتمد على تحويل الفكرة إلى واقع ملموس من خلال أي وسيط جاهز أو مجهز يخدم الفكرة ويحققها بشيء من الدهشة أو الصدمة ويكون المتلقي شريكاً ذهنياً في العمل المفاهيمي، ويأتي الفن المفاهيمي في أشكال عدة منها (فن الأرض - فن الجسد - «الفن - لغة»....)