تأليف: الأستاذ فهد إبراهيم الحماد - حائل
قراءة:
حنان بنت عبد العزيز آل سيف
(بنت الأعشى)
(صدى الصمت) اسم جميل في شكله.. رواية بهية في مضمونها. وكم علم الأدباء، وألّف الأدباء، في الصمت كتباً جليلة، ومؤلفات نفيسة، لإثراء القريحة، وتأديب النفس، وضبط النفس.. والجديد فيما بين ناظري هو حكاية روائية، تمثل سمة النفس، وفلسفتها، وقيمها، ومبادئها، حين تنتحل شملة الصمت، وتتحلى بحلية الكتمان. وقديماً كان حكماء الدهور يقيسون عقل الرجل بصمته، ويحثون مريديهم على قلة الكلام، وأن يسمعوا أكثر من أن يتحدثوا. وكم علَّم الصمت رجالاً، وطار ذكرهم في الآفاق، وسارت بذكرهم الركبان؛ فقلة الكلام سمة على رجاحة العقل. وفي هذه الرواية التي يتصدرها بطل قليل الكلام، عظيم الصمت، اسمه (معتاد)، يعلّم بصمته أناساً أكبر من سنه، وأطول من عمره، وهو أردني السحنة، جاء قادماً من العاصمة (عمّان) إلى عروس البحر الأحمر (جدة)، وهدفه من وراء هذه الرحلة، ورسالته من وراء هذه السفرة، مد يد العون لأسرته التي كانت تعاني ضنك العيش، وقلة المادة، وهي عصب الحياة وعجلتها وكينونتها. تأمل (معتاد) في وضعه كثيراً، واتخذ قراره رفع مستوى معيشة عائلته. وقبل الشروع في الرواية يقول الروائي فهد بن إبراهيم الحماد ما نصه وماهيته: «هي حكاية روائية بأسلوب عام، قد يكون فيها نصيب من الواقع، لكن تفاصيلها يغلب عليها طابع من الخيال، وأغلب الأسماء والأحداث مستعارة ووهمية». وأهدى الكتاب إلى زوجة الراوي الفاضلة (أم صالح) - حميت ووقيت -. أما إهداء الكتاب الثاني ففيه سمة الأدب؛ إذ يقول فيه - حفظه المولى في علاه -: «إلى عشاق الصمت التفاعلي، وهم كُثر في زوايا الوجدانية المباحة». هذا وقد رقمت فصول الرواية ترقيماً متواتراً، ضم اثنين وسبعين رقماً. بدأ فصل الرواية الأول ميمون الطالع بقول الراوي فهد بن إبراهيم الحماد بالقول الآتي: «الآن تخرَّج من الثانوية العامة بتقدير جيد جداً حاملاً معه ثماني عشرة سنة من الطموح الواسع والحلم الصغير.. لم تكن أحلامه كبيرة؛ لأنه (أي البطل معتاد) كان يرى أن الحياة تعطي ظهرها كثيراً لأمثاله». ولم يكن بطل الرواية يرسم لنفسه لوح الدراية.. كان همه الأهم، وشغله الشاغل، مد يد المساندة لوالده الذي كافح الأزمات، وعاصر المدلهمات. وقد أحب معتاد أسرته حباً ملأ شغاف عقله، وعروق وجدانه، وأعاصير نفسه.
أفاطم غرك أن حبك قاتلي
وأنك مهما تأمري القلب يفعل
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي
بعينيك في أعشار قلب معطل
قلَّبته الأيام، وحنَّكته الأزمات، حتى عمل عند عائلة سعودية في مدينة جدة، عند تاجر سعودي عريق، يدعى العم مطر. رزقه الله ابنتين، لا ثالثة ولا ثالث لهما، وقد أخذت المنية أمهما - عليها الرحمة والغفران - فتزوج العم مطر بامرأة فاضلة، وهي خير خلف لخير سلف، وقد سماها راوي الرواية (منيرة)، وكانت شديدة الحنان على ابنتَيْ مطر (دعد ومآثر)، ولاسيما في علاقتها القوية بالابنة الكبرى (مآثر). العم مطر شخصية عملية، يغلب عليه الصلاح والطيبة وحب الخير للناس. دعد صغيرة مرحة، تحب الحياة. منيرة عقل ورزانة. مآثر الفتاة الطاهرة العفيفة ذات الحب العذري الصامت مع بطل الرواية أردني السحنة (معتاد)؛ فكلاهما من بني عذرة، إلا أن هذا الحب العذري لم يكتب له الخلود بالزواج، بل انتهى بموت بطل الرواية الفتى النشمي (معتاد) في حادث سيارة أليم، وظلت مآثر طوال حياتها مدينة لحبها لمعتاد طول عمرها، وخلدت حب ليلى لقيس، وحب الأعشى لهريرة.. فمعتاد يقول لمآثر:
ودع هريرة إن الركب مرتحل
وهل تطيق وداعاً أيها الرجل
لم يطق معتاد توديع هريرته مآثر، لكن حكم الموت في الخلق جارٍ.
وإذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع
وأخيراً: لقد قتل الحب كلاً من مآثر ومعتاد، غير أن قتيل الحب لا دية ولا قود.
عنوان التواصل
ص.ب 54753 - الرياض 11524
hanan.al-saif@hotmail.com