د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الدبلوماسية في المملكة العربية السعودية بدأت منذ إنشاء المملكة، واستطاعت صنع توازن خاص بها، واستمرت على هذا النهج سنين عديدة، وكان أس سياستها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعدم السماح للدول بالتدخل في شؤونها الداخلية، وكانت فاعلاً رئيسًا في مجمل القضايا العربية والإسلامية والعالمية، وكانت بمواقفها المتعقلة تحقق الكثير من المكاسب لأمتها، كما ترد عن أمتها نوائب الدهر، والمعضلات المستعصية في ذلك العالم الفسيح، الذي جعل لمنطقتنا نصيبًا كبيرًا من اهتماماته.
كانت سياسة المملكة واضحة فيما يخص القضية الأولى للعرب والمسلمين، وهي القضية الفلسطينية، وموقفها الجلي أنها تقف مع خيارات الشعب الفلسطيني، وتؤيد قضاياه العادلة، وتقدم له العون والمشورة، وتساعده في تجاوز ما يحل به من كرب.
والمملكة أوقفت تصدير البترول أثناء الحرب المعلومة، وكان موقفًا شجاعًا وتضحية فاعلة في ردع المعتدي، وإعادة الحق إلى أهله.
المملكة لم تتدخل في إيران بعدما قامت ثورتها، وتركت الشعب الإيراني يسيّر الأمور بطريقته، ولم تُظهر عداء، ولم تضرم نارًا، وظلت كذلك.. وكانت الحرب العراقية الإيرانية فكان ما كان، وساهمت المملكة في حماية الأرض العربية مساهمة كبيرة بلا منة، واستمرت على ذلك.
وبعد غزو صدام للكويت كانت المملكة رأس الحربة في نحر المعتدي، وفتحت أبوابها ومنافذها وخزائنها للإخوة في الكويت.. وهذا أمر طبيعي للدفاع عن إخوة لنا في مجلس التعاون.
في الحرب العراقية الثانية، وعندما علمت أن هناك دولاً تنوي دخول العراق، حاولت جهدها أن تثني أولئك عن عزمهم، ولن ننسى تحذير وزير خارجية المملكة الأمير سعود الفيصل - رحمه الله رحمة واسعة - بأن ذلك سيجعلها تقع تحت طائلة النفوذ الإيراني، فكانت توقعاته صائبة.
كانت المملكة - وما زالت - رائدة في محاربتها للإرهاب قبل الحادي عشر من سبتمبر وبعده، وهي من أكبر المتضررين منه والقائمين على محاربته، والمشاركين للدول الأخرى في القضاء عليه، سواء بصفة مباشرة أو تجفيف منابع تمويله، وبالمعلومات التي المتعلقة به.
بعد الربيع العربي، وإن شئت فسمه الخريف العربي، كانت المملكة تتألم لما تشاهده من نتائج محزنة أُصيبت بها بعض الشعوب العربية، وكانت تقدم العون والمساعدة لإعادة اللحمة، وعدم السماح للإرهاب بأن يستغل الأحداث ليجيرها لصالحه، وقدم في ذلك الكثير من المال والجهد.
اليوم المملكة تدرك أن هناك خطوبًا كثيرة وكبيرة، تحيط بها، وأن إيران تسعى بكل وسيلة لزعزعة الأمن والاستقرار في العالم العربي، وأنها لا تترك وسيلة إلا وقد استعملتها في سبيل إيذاء الحكومات والشعوب.. ولأنها تدرك ذلك يقينًا فقد أطلقت عاصفة الحزم بطلب من الرئيس الشرعي لليمن؛ وذلك لإعادة الشرعية، وبسط الأمن والاستقرار في ربوع اليمن. وفي الوقت الذي تساعد فيه اليمنيين على إعادة الشرعية تحمل في المسار نفسه المساعدات بشتى أنواعها؛ حتى تخفف على الشعب اليمني الضرر الذي أحدثه الحوثيون وصالح. ومن ثم جاءت مبادرة الأمل المكملة لعاصفة الحزم.
الدلالة الواضحة على الثقل السياسي الكبير للمملكة على مستوى العالم هو تلك القرارات التي أصدرها مجلس الأمن، التي بموجبها قادت المملكة التحالف العربي لإحلال السلام في اليمن، والتفاف العالم أجمع حول المملكة في هذا الهدف النبيل.
دلالة أخرى لثقل المملكة السياسي في المحافل الدولية هي قيادتها للعالم الإسلامي في محاربة الإرهاب، والتفاف الدول الإسلامية حولها.
واليوم تقف إيران وحيدة في هذا العالم الفسيح ما عدا من يدور في فلكها من منظمات إرهابية. والمملكة تقف شامخة وخلفها دول العالم في مواقفها الراسخة، فكيف لنا أن نقول سوى إن المملكة في الحقيقة حققت وتحقق إنجازات كبيرة في المجالات الدبلوماسية على مستوى العالم.
إن الدبلوماسية السعودية - وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده وولي ولي عهده، ومن خلفهم وزير الخارجية الأستاذ عادل الجبير، ونخبة من السفراء - قد صنعوا هذا الموقع المميز للمملكة عالميًّا. والحقيقة التي تساعد سفراء المملكة هي أنهم ممثلون لها، بتسهيل القيادة مهامهم بمواقفها المتوازنة، ثم جهدهم الذي يشكرون عليه، وعملهم الدؤوب الذي يجدر التنويه به.. ولهذا كان العالم خلف المملكة في مجلس الأمن والجمعية العمومية، ومنظمة القادة الإسلامي، والجامعة العربية.. ولتبقى إيران وحيدة، تلهث هنا وهناك مستخدمة ثقافة معينة لنشر دائها، لكنها لم تنجح ولن تنجح بعون الله.