زكية إبراهيم الحجي
التاريخ هو فن البحث عن وقائع الزمان والمكان واستقراء الأحداث وتدوينها وحفظها.. التاريخ مرآة الأمم يعكس ماضيها ويترجم حاضرها.. وتستلهم من خلاله المجتمعات مستقبلها.. ومجتمعات وشعوب تعيش من دون تاريخ هي بلا شك مجتمعات من دون ذاكرة، كما أن تقدم الشعوب مرتهن باكتشاف شعورها التاريخي الذي يضعها في الزمان ويجعلها تحدد مسيرها في مسيرة التاريخ.. لذلك كانت كتب ومدونات التاريخ رافداً قوياً في تشكيل الوعي والصور الذهنية للإنسان ليس على مستوى الترف الفكري بل قوة تمكين لربط الحاضر بالماضي ولتجاوز ما قد يُعيق المستقبل.
ومن نافلة القو إن وعي المجتمعات بمفاصل تاريخها سلباً وإيجاباً ليس إلا مقدمة شرطية لقراءة الواقع بشكل منطقي وليس قراءة تقديسية، ذلك أن المقدمات الخاطئة حصادها نتائج خاطئة، وما بُني على باطل فهو باطل.
عندما نتحدث عن الوعي التاريخي فذلك يعني أن نفكك الماضي ونقرأ أحداثه بتمعن.. فمنه نستلهم التجربة والعبرة كما ذكر ابن خلدون في مقدمته «التاريخ فن يتميز بسمات عديدة عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية.. أما فائدته فتكمن في كونه يعرفنا أحوال وأخلاق أمم اندثرت وسير الأنبياء وسياسة السلاطين في دولهم».
فكر ابن خلدون التاريخي شكل نقطة تحول مهمة كشرط للوعي التاريخي، ألا وهي الانتقال بالتاريخ من حالة المعرفة الشفوية إلى المعرفة الكتابية، أي من التاريخ المروي إلى التاريخ المكتوب علماً بأن تدوين التاريخ كان متواجداً قبل عصر ابن خلدون إلا أنه كان تدويناً متسماً بالعفوية أحياناً أو بدافع فضولي أو لمنفعة شخصية.
ولابن الأثير مقولة عن أهمية الوعي التاريخي حيث ذكر «لقد رأيت جماعة تدعي المعرفة والدراية وتظن بنفسها التبحر في العلم والرواية تحتقر التاريخ وتزدريه بشدة وتظن أن غاية فائدته القصص والأخبار ونهاية معرفته الأحاديث والأسمار، وهذا حال من اقتصر نظره على القشر دون اللب.
يقول أحد علماء التاريخ وإن لم تخني الذاكرة فإن اسمه «هرنشو» إن التاريخ ليس علم تجربة واختبار لكنه علم نقد وتحليل وتحقيق.. وأقرب العلوم الطبيعية شبهاً به هو علم الجيولوجيا.. فكل من الجيولوجي والمؤرخ يدرس آثار الماضي ومخلفاته كي يمكنه أن يستخلص منه خبرة وعظة وعبرة.
الوعي التاريخي تتجاوز فائدته وثمرته الحدود الضيقة إلى الاستفادة منه في الحاضر وبناء الواقع المعاش.. كما أنه من أهم الموارد الثقافية والمعرفية لثقافة الحاضر ورؤية المستقبل.. ومن أراد أن يبحث عن مخزون ثقافي لأي أمة فليقرأ صفحات تاريخها.