خالد الربيعان
لي صديق يلعب كورة يوم الجمعة في أحد ملاعب الساحات، هذا الصديق يحكي لي أن هذا الملعب دائمًا وبعد صلاة الفجر مباشرة تمتلئ الساحة بعشرات الشباب والمراهقين، يلعب لمدة ساعة، الفريقان من جنسيات مختلفة، معاوية السوري وعبد الإله اليمني يقف لهم المصري محمد حارس مرمى، والفريق الآخر شبيه ذلك.
اللافت في كلامه أنه يفاجأ في كل مرة بوجود مراهق سعودي صغير يرتدي طقمًا كاملاً، ويتغير طقم هذا المراهق، يرتدي طقم الاتحاد مرة، ومرة أخرى طقم المنتخب السعودي، وفي مرة ثالثة طقم ليفربول.
صديقي يقول لي: إن هذا المراهق ينزل الملعب ليمارس الكرة كأحد لاعبي الأندية المحترفة، مهارات غير عادية بالنسبة لساحة شعبية، كل مرة يأتي يجندل اللاعبين والمدافعين بالكرة! يتساقطون أمامه ويختفون بمراوغة ثم أخرى، ثم لا يترك الكرة إلا وهي في شبكة المرمى!!
أين الكشافون وما مصير هذا الشاب الموهوب بطريقة غير عادية، المولع بالكرة لدرجة الجنون، من يرتدي طقم كرة كامل ليذهب به في ساحة شعبية هو مجنون كرة قدم، هو مولع بما يفعل!
الداعي للتأمل هنا أن جميع المواهب التي كتبت تاريخ الكرة السعودية نادرًا ما تجد فيهم أحدًا خريج أكاديمية أحد الأندية! بل خرجت لنا موهبته دون سابق إنذار وبشكل درامي.. من إحدى الحارات!
محمد نور يقول: أنا ابن الحارة، سامي الجابر مارس الكرة في الحارة لسنوات، يوسف الثنيان كذلك، عمر السومة يقول كنا نقلد ياسر القحطاني بالحارة ونحن أطفال بسوريا! ليقابله وجهًا لوجه في الملعب فيما بعد!
بيليه لم يكن في أكاديمية، بل بدأ باللعب بكرة الشراب، وكانت مهنته مساعدًا لوالده في مزرعة للمانجو!
مارادونا نفس الشيء، ميسي خرج لنا من الساحة الشعبية التي كانت تأخذه إليها جدته بعد أن تلقى كرته الأولى في سن الثالثة وكان لا ينام إلا بها!، زيدان كان يمارس الكرة مع العائلة في ملعب الهواة والقائمة تطول، كريستيانو رونالدو، روني، فاردي كانت مهنته عاملاً في مصنع للفحم ولم يعرف أكاديمية أبدًا!، لويس سواريز، تشافي كان الشارع كارت قبوله في أكاديمية برشلونة، أليكسيس لاعب أرسنال كان يعمل منذ الطفولة ثم بعد العمل يجري بالكرة حافي القدمين في كل مكان حول سكنه لدرجة أن جيرانه وأصدقاءه لقبوه بالـardilla.. وتعني السنجاب!
في ألمانيا قانون يلزم الأندية ببناء أكاديمية ناشئين لكل نادٍ، وتنفق الأندية أكثر من 130 مليون يورو في البنية التحتية سنويًا لأجل ذلك، ولكن جنبًا إلى ذلك الاتحاد الألماني نشر 1300 مدرب على الساحات الشعبية وملاعب الهواة وعددها 366 بطول وعرض الدولة، يتنقل المدربون ومعهم الكشافون التابعون للاتحاد في 30 سيارة رسمية في برنامج يطلقون عليه: هواتنا كالمحترفين!
الأكاديميات رغم أهميتها الكبيرة جدًا إلا أنه في النهاية لاعب الأكاديمية بالنسبة للاعب الحارة تمامًا كالماس الصناعي أمام الماس الطبيعي النقي الذي نما وتكون في باطن الأرض في ظروف تكفلت الطبيعة بها!
أطلقوهم بالساحات!
الإنسان في السن الصغيرة، وخصوصًا الأطفال فيهم من الطاقة لا يستطيع المنزل تحملها! وكبت هذه الطاقة يخرجها في أمور أخرى كالنشاط الزائد والمشاغبة وغيره! بالأمس القريب كان الأب والأم يجاهدان لاستعادة أطفالهما من الشارع، الجري والحركة ولعب الكرة طوال النهار! وهذا الذي كان يخرج لنا أسوياء على جميع المستويات ومنها الرياضة!
الآن الآباء والأمهات وجدوا الحل السحري لسجن الطفل! الآي فون والآي باد وباقي عائلة (آي) التي نعرفها! تتصفح الإنترنت لتجد مقالات وموضوعات على غرار: 10 طرق لإفراغ طاقة طفلك دون الخروج من البيت!، موضوعات وطرق أخرى (لسجن) الطفل وجدت منها على سبيل المثال: التخييم المنزلي!... (تخييم منزلي... قال)؟!.. ما أقول إلا.. الله يرحم حالكم.