«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
كل واحد منا كلما تقدم به العمر راح يعمل أكثر بالطبع إذا كان لديه موهبة ما.. أو عمل يستمتع به وفي مختلف المجالات. ولو بحثت في تاريخ أشهر عمالقة الإبداع في مجالات الفنون والآداب، لوجدتهم قد أبدعوا عشرات كتبهم ومؤلفاتهم خلال عقودهم الأخيرة. وتشعر أن كل واحد منهم كان يسابق نفسه أو يركض خلال العملية الإبداعية ونسبة كبيرة من الذين حصلوا على جوائز نوبل أو الجوائز العالمية الأخرى كجائزة الملك فيصل، كانوا قد تجاوزوا العقد السابع وأكثر.. والكثير من البشر في العالم يتقدمون في العمر وهم يعون أهمية الوقت، لذلك يقومون باستغلاله استغلالاً مفيداً لهم مادياً وصحياً. فتجدهم لا يركنون للكسل أو الاستمرار في الاسترخاء لوقت طويل. أو النوم حتى ساعة متأخرة من النهار..؟! والذين عوّدوا أنفسهم للنهوض مبكراً و(رفس) البطانية بقدمهم تجدهم أكثر نشاطاً وحيوية من غيرهم بل وحتى شباباً.؟! ولو تعمقت في الأسباب والبواعث التي جعلتهم يتمتعون بهذا التميز لوجدت وراء ذلك .. النوم مبكراً.. والنهوض باكراً .. والتوجه للعمل إذا كان مازال على رأس العمل، وإذا لم يكن لديه عمل، فهو يزاول هواياته مهما كان نوعها، أو تجده منخرطاً في أعمال اجتماعية أو تطوعية أو يقوم بالتسوق والتبضع لمنزله. والمدهش أنّ الكثير منا تمضى الأيام وهو منهمك في أعمال أضاعت وقته بدون مردود أو فائدة له أو حتى لمجتمعه. تجده طوال اليوم (مسترخياً) أمام القنوات الفضائية يتنقل من قناة لقناة، وهو يعلم علم اليقين أن هذه القنوات قد سلبت منه أثمن ما لديه بعد صحته وهو الوقت ..؟! أنا في هذه الإطلالة لست واعظاً، ولكن أحب أن أوضح ما يفيد الأحبة القراء، أن ملايين الناس في العالم لا يقضون طول وقتهم أمام الشاشة، أو تصفح الإنترنت أو متابعة الواتساب، وإنما يخصصون مواعيد معينة لمشاهدة البرامج الممتعة لذلك القنوات والمحطات تقوم بإعداد قوائم لبرامجها، وتشير إلى البرنامج أو الحدث الذي يجدر بنا مشاهدته، بل ومتابعته لأهمية ما يجري ويعرض فيه. ما هو مؤسف أن تجد أوقات البعض منا باتت تهرب من بين أصابعنا ونحن نشاهد برامج وأفلاماً ومسلسلات أبدع مخرجوها في (مط) أحداثها بصورة تنافس خطوط السكة الحديد من طولها..؟!
والكثيرون منا يضيعون أوقاتهم في محادثات هاتفية طويلة لا طائل لها. مع أن التقنية الحديثة ساعدتنا على القدرة على الاختصار وتوفير الوقت.. فكم من محادثة استمرت من الطرف الآخر والواحد منا يخجل أن يقول له.. بودي أقولك إني (محصور) اسمح لي أقول لك يكفي يا أخي .. يكفي ؟! والمحظوظ عندما يؤذن للصلاة عندها تستطيع الاستئذان.!
وفي الماضي كان البعض ممن يحسنون استغلال الوقت خلال أوقات الانتظار الطويلة في المحطات أو لدخول المعارض والمتاحف، كانوا يحملون معهم كتباً أو صحفاً، أو حتى كراسات صغيرة يسجلون فيها خواطرهم. أما اليوم فنعمة كبيرة أن تجد الهواتف الذكية تساهم في تسليتك أو حتى ضياع وقتك، في مشاهدة آخر ما وصل من أحداث.. وحوادث.. وكلمات معادة عشرات المرات.. بل هناك من يجبرك بعدما حلف عليك بأن تعيد ما تكرم بإرساله لك .. أن تقوم بإعادة إرساله إلى كل من هب ودب على سطح الأرض. وفي هذه الحالة قد تحتاج للذهاب لمركز تدليك ومساج أو علاج طبيعي لتدليك أصبعك الذي ساهم في إرسال رسالة استغرق إرسالها كل وقتك.. الذي سلبه منك ذلك «الواتسابي « الذي حلف عليك..؟! وماذا بعد اهتموا بأوقاتكم واستفيدوا منها إلى آخر لحظه ممكنة. فالوقت مثل لحظاته البهيجة والسعيدة ما أسرع ما تعض على ثوبها وتركض عنك هاربة..؟!