ماجدة السويِّح
لم تعد الجاسوسية في عصر الإنترنت مقترنة بالتخفي، أو البحث المضني عن الهدف المنشود لجمع معلومات تحتمل الصواب والخطأ، ولم تعد الحكومات أو الشركات تكلف نفسها ميزانية خاصة للبحث والتحري، بل أصبح المستهدف هو من يزود الجاسوس بكل ما يحتاجه من معلومات يحتاجها ليبني عليها خططه المستقبلية.
في حين يتوقع الكثيرون تقلص الجاسوسية في العالم مع انتهاء الحروب العالمية والصراعات الكبرى، والعولمة والانفجار المعلوماتي، نرى أن عمليات التصنت فاقت التوقعات مع ظهور العديد من الشبكات الاجتماعية والبرامج المرتبطة بها، وشغف الشركات الكبرى في جمع المعلومات للتكسب منها في خططها المستقبلية، وبيعها على شركات التسويق، أو التعاون مع الحكومات في التجسس على المستخدمين تحت غطاء مكافحة الإرهاب والجريمة والعنف، كما أشار بذلك مؤسس الفيس بوك مارك زوكربيرغ عن خططه المستقبلية باستخدام الذكاء الصناعي للتجسس على مستخدمي الفيس بوك للقضاء على الإرهاب، عبر مراقبة الاتصالات الشخصية.
المثير للقلق وصول برامج التجسس لألعاب الأطفال وبمباركة الوالدين الذين يبتاعون لأطفالهم الألعاب الحديثة دون إدراك ووعي بخطورة بعض الألعاب المتصلة بالإنترنت، ففي ألمانيا أثارت دمية ناطقة الذعر بعد مطالبة السلطات الألمانية الآباء بإتلافها حتى لا تتعرض العائلة للتجسس من قبل الهكرز، حيث تقوم الدمية «كايلا» بالاستماع والتحدث للطفل الذي يلعب بها مما يعرضه لخطر البرنامج الموجود داخل اللعبة، والذي يتيح للطفل التحدث مع الدمية وتزويدها بالمعلومات الشخصية بما فيها أسماء أفراد العائلة، الروتين اليومي، أسماء المدارس، والمدينة وغيرها من معلومات قد تشكل تهديدا للأمان والخصوصية.
يعتقد الباحثون أن واحد من كل خمس أطفال معرض للتجسس عليه، أو معرض ليكون ضحية لقراصنة الإنترنت من خلال الألعاب المتصلة بالإنترنت. الدمية «كايلا» وقبلها «هالو باربي» اقتحمت بيوتنا دون وعي أو اهتمام بقضية انتهاك الخصوصية والأمان للطفل وللعائلة، حيث يجهل الكثير من الآباء والأمهات خطورة انتهاك خصوصية صغارهم من خلال الألعاب، وقدرة الشركات على جمع واستخدام المعلومات وعناوين IP لجمع بيانات الموقع ليكون الطفل هدفا سهلا لقراصنة الإنترنت أو المسوقين.
بعد تزايد حالات التجسس على الأطفال تزايد الاهتمام في الدول الغربية من قبل منظمات ومجموعات المستهلكين والمربين في توعية الآباء بخطورة تلك الألعاب التي نفسح لها المجال في بيوتنا لتقوم بالتجسس وانتهاك الحياة الخاصة للطفل والأسرة بكل سهولة ويسر، كما قامت برفع الشكاوي للشركة المصنعة وللجنة التجارة الاتحادية لمنع تلك الألعاب من الأسواق.
في ألمانيا وجهت السلطات بإتلاف اللعبة، كما تطوع خبراء بتوجيه الآباء لقطع الاتصال الذي يتيح تسجيل المحادثة بين الطفل والدمية، وأرشفتها لدى الشركة المصنعة.
وعلى الرغم من أن أسواقنا تعج بالحديث من الألعاب الذكية، وتنافس الأطفال الكبير على اقتناء الألعاب المرتبطة بالهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية، لم نر أي اهتمام أو توعية من قبل حماية المستهلك وذوي الاختصاص بخطورة اقتناء تلك الألعاب، وكيفية التعامل الآمن لحماية الطفل والأسرة من التعرض لتهديد الخصوصية.
وحتى لا تتحول بيوتنا لوكر للجاسوسة «كايلا» وأخواتها قليلا من التوعية والتثقيف كفيلة بحماية الأطفال والعائلة من خطر القرصنة والاختراق الإلكتروني المتزايد يوما بعد يوم.