د. محمد بن إبراهيم الملحم
حاليا ليست لدي معلومات عن مقياس دولي لتعليق الدراسة لنتمكن من مقارنة ما وصلنا إليه من معدلات بما وصل إليه الآخرون، بيد أني أكاد أجزم أننا سنحقق مستويات قياسية، فأسباب وأنواع «التعليق» لدينا متعددة ولله الحمد فأما الأنواع فهناك التعليق الاختياري والتعليق القسري فأما الاختياري فهو المعروف لدينا جميعا عندما تعلن إدارة التعليم تعليق الدراسة وأما القسري فهو عندما يقوم الطلاب بالغياب الجماعي قبيل الاختبارات أو بعد الإجازات مباشرة، أما أسباب التعليق، وهي مدار الحديث هنا، فتتنوع بين غبار ومطر وضباب، والأخير لا غبار عليه، ولا حل له، بيد أن الأول والثاني ينبغي الحديث عنهما بمزيد من الصراحة فأولا هما ليسا سوى متهمين بريئين والسبب الحقيقي هو البنية التحتية وأبرزها مباني المدارس غير المهيأة، فالغبار والماء والبرد الشديد تدخلها بكل أريحية ومع بدء السنة الدراسية المتزامنة عادة مع جو الصيف الحار تستقبل المباني المدرسية الطلاب بمكيفاتها وتجهيزاتها الكهربية الميكانيكية التي لم تر الصيانة الدورية فيشهدوا مفاجآت توقف الكهرباء أوالماء أو المكيفات.
ما الحل ؟
أثبتت سنوات تاريخ تعليمنا الطويل أنه لا فائدة... والمبنى الحكومي عاجز عن التقدم ولهذا فإني أدعو إلى نموذج جديد يمثل تغيرا في النمط Paradigm Shift فلم يعد هناك مبرر لنستمر في نموذجنا الحالي وتجاربنا السالفة كافية جدا لنتوقف. هذا النموذج يتضمن تسليم المبنى الحكومي للمستثمر لتشغيله بإيجار يستنتج من قيمة التكلفة بناء على العمر المتبقي (العمر الإفتراضي للمباني المدرسية هو 40 سنة) وكذلك تسليم الأراضي الحكومية التي ستبنى عليها مدارس جديدة للمستثمرين لبناء مدارس وتأجيرها على الوزارة بنفس المعادلة، مع ضمان تشغيل ميكانيكي كهربائي مائة بالمائة (ماء و كهرباء وتكييف وتدفئة وصلاحية إنشائية)، ويبقى التجهيز والتأثيث مسؤولية الوزارة، إذا ضبط هذا النموذج بتنويع كبير للمستثمرين يوفر المنافسة مع قائمة تأهيل عالية المستوى واشتراطات إنهاء العلاقة لضعف الأداء سهلة التطبيق وإتقان قانوني للعلاقة التعاقدية ونقل المبنى لمستثمر آخر عند الضعف أو الفشل فإن النتائج ستكون مثمرة جدا خاصة أنه مجال جذاب. سيقول البعض إنه مشابه في طبيعته لمشكلة الصيانة التعاقدية فأقول نعم ولا، نعم لإشكالية الجودة النوعية للخدمة ولا لأنه مختلف من حيث ارتباطه بالتأجير فمن يقوم بالصيانة هنا مستفيد من الإيجار وحريص على سلامة المبنى وجودة صحته فيقدم صيانة ممتازة تؤدي إلى هذه النتيجة، كما أن حل مشكلة توفير الوزارة لأسعار المواد وقطع الغيار بكفاءة أفضل من الوضع الحالي سيحل هذه النقطة النكدة.
الحقيقة أني بت أعتقد أن أفضل ما يمكن للقطاع الحكومي عمله هو دفع المال وترك التنفيذ لغيره من القطاع الخاص المتمكن مع ضبط الجودة بأسس التعاقد، والنموذج المطروح هنا يتطلب شيئا من الجرأة والتضحية خاصة فيما يتعلق بالجانب المالي ومع ذلك فهو يتضمن معادلة اقتصادية مقبولة جدا، ولن أسرد تفاصيلها المملة والتي لا يستوعبها هذا المقال المحدود ولكن يكفي أن أقول إن الشراء الحكومي يدفع أكثر من سعر السوق ب 130 إلى 150% فإذا كان المستثمر يدفع سعر السوق تماما أي 100% ثم يؤجر على الوزارة بما يصل إلى 50% من التكلفة الإهلاكية السنوية (تمثل عوائده الربحية غير الصافية)، فإن الوزارة تكون دفعت له ال 150% لكن بطريقة أخرى، وحيث إن عليه نفقات أخرى Overhead فإنها ستكون غير محسوسة في ظل حجم الاستثمار الكبير. المستثمرون سوف يوفون بالجودة النوعية للحفاظ على العلاقة التعاقدية تجاوزا للمخاطرة الاستثمارية وللحفاظ على ممتلكاتهم التي يؤجرونها في أداء جيد لأطول فترة ممكنة تقلل مصاريفهم وهو ما توفره الصيانة الدورية الفعالة ويعني بالنسبة للوزارة التشغيل المستمر وبالنسبة لي يعني تناقص معدلاتنا القياسية في تعليق الدراسة، وسلامتكم.