عبدالعزيز السماري
يعد الصراع على السلطة أحد مظاهر المشهد العربي الأهم منذ خروج قوى الاحتلال الأجنبي من البلاد العربية التي كانت تئن تحت لواء الاستعمار، و في ناحية أخرى تعلمنا قبل ذلك من التاريخ أن الشعوب لابد أن تمر من قناة الحروب الأهلية قبل الوصول إلى حالة السلم والوفاق الاجتماعي الدائم.
ولو استعرضنا التاريخ الأوروبي وتاريخ أمريكا الجنوبية لظهرت خارطة طريق السلم الاجتماعي بوضوح في تجاربهم مع الاستبداد، والتي دوماً كان ثمنها بؤس الاقتتال وتناثر الجثث في الشوارع، وربما تكلف هذه الحروب عقداً من الزمن من حياة الشعوب قبل الوصول إلى حالة الاستسلام من جميع القوى، ثم قبول النظام السياسي الذي يسمح للجميع بالمشاركة.
لهذا السبب يقف العالم متفرجاً على الساحة السورية والعراقية والليبية واليمنية، وهي تمر في مرحلة الحرب الأهلية الطاحنة، ولو تدخلت القوى العالمية لنصرة قوة على أخرى، فلن يكون ذلك حلاً توافقياً لمستقبل الوطن، ولكن هدنة مؤقتة قبل اندلاعها من جديد.
بكلمات أخرى، أصبحت الحرب الأهلية شرطاً في بعض الدول حتى يصلوا إلى نقطة التوافق لإنهاء مرحلة الصراع حول احتكار السلطة، ففي سوريا على سبيل المثال تبدو الصورة في غاية الوضوح، فالأقلية تريد احتكار السلطة وإخضاع الأغلبية وبقية الأقليات لسلطتها وجبروتها.
رفضت السلطة الأقلية الحوار مع شعوبها عند ظهور أول بوادر الحراك الاجتماعي والمطالبة الشعبية في المشاركة السياسية وتحويل البلاد إلى بلاد يحكمها الدستور وصناديق الاقتراع والديموقراطية، واختارت أن تخوض المعركة في الشارع مع الشعب، وكان الثمن أغلى بكثير من خيار التنازل قليلاً عن بعض من سلطاتها والخضوع للأمر الواقع، وإنقاذ البلاد من البؤس والدمار.
إشكالية الاستبداد أو السلطة الحاكمة في كل العصور أنها لا تفكر بعقلانية، لكن تفرض إرادتها بالقوة المفرطة، وعندما يفشل الطرح العقلاني في إصلاح الحال يكون الخيار القسري إشعال الحروب، ثم دخول دوامة القتال الداخلي.
على السلطات المتناحرة في سوريا واليمن وليبيا أن تبدأ التفكير من خلال الحلول العقلانية قبل مزيد من الدمار، واختصار الزمن أيضاً قبل الرضوخ للأمر الواقع، والذي في كثير من الأحيان يكون هو الحل المثالي في نهاية المرحلة، كما أنه لا بديل عن الدولة المدنية التي يحكمها دستور واضح، وتكون مرجعيته المجتمع في هذه الدول.
وإذا رأت القوى المتقاتلة غير ذلك، فعليهم إكمال مرحلة الاقتتال بينهم، وإدخال البلاد إلى نهاية الدمار الشامل والأرض المحروقة، ومن ثم التخلي عن الأسلوب القديم في السلطة بعد أن وصلوا إلى أدنى درجات الضعف والوهن السياسي.
الحكم من خلال الاستبداد في طريقه للخروج من العالم، بعد التطور الكبير في الوعي الإنساني في مختلف المجتمعات، و أصبح يمر في مرحلة انحسار في مختلف الدول، بعد أن سقطت الأيدولوجيات و فشل تسييسها لخدمة مصالح الأقليات المتسلطة.
الأهم من ذلك هو انتصار حرية الإنسان على عبوديته، وخروج العقل من سجنه المؤبد، ولكن لازال الأمل أن تتخلى بعض السلطات عن فوقيتها وعنجهيتها، وأن تفكر بعقلانية وتسامح قبل الدخول في الصراع مع الشعوب من أجل فرض إرداتها.
وذلك لأنها ستفشل في نهاية الأمر مهما طال أمد الصراع، ومهما كابرت في رفضها للحلول المثالية، و أخيراً هل يعي الإخوة الأعداء في سوريا و ليبيا واليمن هذا الأمر قبل أن الوصول إلى نقطة اللارجعة، أو مرحلة الانقسام والتمزق.