خالد بن حمد المالك
لم يسبق لي زيارة نجران، قبل انضمامي إلى الفريق الإعلامي الذي زارها للوقوف على الوضع في الحدود مع اليمن من نجران، ولم تكن عندي صورة ذهنية كاملة عن هذه المدينة الجميلة التي هي العاصمة الإدارية لمنطقة نجران، سوى قراءات محدودة لهذه المدينة القديمة تاريخياً، حيث المواقع الأثرية القديمة، ومنطقة الأخدود التي جاء ذكرها في سورة (البروج) من القرآن الكريم، ومثلها النقوش التاريخية القديمة الموجودة في الجبال هناك وغيرها كثير.
* *
ونجران منطقة جميلة استوطنتها قبائل يام، ووايلة، وآل كثير، ووادعة، وجميعهم ينتسبون إلى قبيلة همدان التي تُعَدُّ أول من سكن نجران، وهي من المناطق القديمة التي ذُكرتْ في صفحات التاريخ، وتحدَّث عنها الرحالة العرب والأجانب في كتبهم، وقد اختلفت الروايات في أصل تسمية نجران ومعناها، فهناك من أطلق عليها (الخشبة)، والمقصود بذلك الخشبة التي يدور عليها رتاج الباب، وهناك من قال إن اسم نجران يعني عطشان، كونها كانت واحة يتزود المسافرون منها بالماء، وقد يكون المعنى كما ذكره (ياقوت الحموي) بأنها سميت بهذا الاسم نسبة إلى نجران بن يزيد بن سبأ لأنه أول من قام بتعميرها، وهكذا تعددت الأسماء والمعاني، وبقي اسم نجران أرضاً وسكاناً جزءاً مضيئاً من تاريخ هذه المنطقة، وبالتالي من تاريخ المملكة.
* *
لا علاقة (مباشرة) في هذا الكلام بزيارتنا إلى المواقع العسكرية على الحدود اليمنية، العلاقة (غير المباشرة) هي التي جعلتني أؤصل هذه الحلقات بكتابة هذه المعلومات المبسطة (المنقولة) عن نجران، لأننا كإعلاميين لمسنا أن المواطن في نجران وضع نفسه على أهبة الاستعداد ليكون جزءاً من المعركة، حفياً وداعماً لها، وهذا ما أكده أمير المنطقة، وقاله لنا مَن التقيناهم من العسكريين، وصادق عليه المواطنون الشرفاء في نجران، الذين لم يخفهم إعلام العدو، ولم يزعزع ثقتهم بأبنائهم في الجبهة برغم ما يطلقه الحوثي من صواريخ يتم تدميرها قبل وصولها إلى الأرض العصية، وأعني بها نجران.
* *
إذاً، فرجالنا البواسل على الجبهة، يجدون أنفسهم مسنودين من الخلف بالمواطنين في نجران، فهم الخط الآخر، وجاهزون للتقدم ليكونوا في الخط الأمامي الأول، وهو ما قالوه لأمير المنطقة، وأكده لنا سموه. ففي مثل هذه الروح القتالية، أجد أنه من الصعب أن أتحدث عن الجبهة في الحدود مع اليمن ولا أتحدث عن الجبهة الداخلية في نجران، المتراصة والمتلاحمة مع قواتنا المسلحة، في ظاهرة أثارت تقديري، كما أثارت إعجاب كل الزملاء والزميلات الذين شاركوا في هذه الزيارة لمواقعنا العسكرية، والتقوا بعدد من أبناء منطقة نجران.
* *
الدفاع عن الوطن، حمايته من المخرِّبين، والتصدي لكل من يفكر أن يمسَّه بسوء لا يقتصر على العسكريين مع ما يتمتعون به من كفاءة ومقدرة وإخلاص، وإنما يأتي دور المواطن في حماية الوطن في الجبهات الخلفية، بحزمه وعزمه، وتفانيه وإخلاصه، بسلاحه وماله، فالدفاع عن الوطن ليس محصوراً بالعسكريين فقط، وإن كان كذلك فهم أبناؤها وإخواننا وأهلنا، وموضع ثقتنا، لكن الدفاع عنه يتسع لكل مواطن، وبالتالي فهذه مسؤوليتنا جميعاً، كلٌّ من الموقع الذي هو فيه، ومن المسؤولية والأعمال التي يقوم بها، وهذا ما رأيناه في واجهتنا المشرِّفة على الحدود مع اليمن، شاهدناه في نجران، وقبل ذلك ودائماً في جيزان، وحيثما كان هناك تهديد من أي حدود لأرض المملكة.
* *
شكراً لأهلنا في نجران، تلك النماذج في الوفاء للوطن، والأمثلة في الحس الوطني المخلص، من يصح أن يقال عنهم بإنهم الحضن الدافئ للمقاتلين الشرفاء، مَن يُعتمد عليهم في أداء الواجب، وهكذا وبهذا يبقى هذا الوطن الغالي عَصيَّاً على الأعداء، صعباً على الخونة، ملاذاً آمناً لنا ولأولادنا وأحفادنا، ولكل الأجيال جيلاً بعد آخر.
يتبع