د. جاسر الحربش
الاحتلال لا يعني دائمًا وجودًا عسكريًا أجنبيًا مسلحًا في الشارع. هناك احتلال مكشوف واحتلال مقنع. عندما تكون 80 في المائة من كل عملية إنتاجية وخدماتية تتم بأيدٍ أجنبية فذلك هو الاحتلال المقنع. الكفيل الذي يتسلّم خمسة آلاف ريال في الشهر مقابل تخليه عن البقالة الصغيرة لصالح مكفوله الأجنبي، هذا مواطن محتل اقتصاديًا، مع الأسف بمحض إرادته ويجب أن تنزع منه هذه الصلاحية. التوصيف نفسه ينطبق على محطة البنزين والمستوصف والصيدلية ومراكز التجميل والتقشير والشفط والنفخ والصنفرة وخدمات الحجز والاستقبال في الفنادق والمستشفيات.
قرأت في صحيفة الرياض يوم 19-5-1438هـ تصريحًا لعضو مجلس الشورى الأمير خالد بن عبدالله آل سعود قوله: إن 12 مليون وظيفة وفرها الاقتصاد السعودي يشغلها أجانب، وفي المقابل يوجد 700 ألف شاب وشابة سعوديين يبحثون عن العمل، وأن 30 في المائة من سكان المملكة أجانب وهذه نسبة عالية بالمفهوم العالمي. (انتهى النقل).
بالملخص المفيد يجب إعادة النظر في المقولة الاعتذارية التي تدعي النقص النوعي والكمي في الكفاءات الوطنية، فالكم يكمل والنوع يعدل.
إعادة النظر الأولى: أغلب أو كل مشروعات البنى التحتية والخدمات نفذتها حتى الآن كفاءات وعمالة أجنبية، فما هي النتائج؟. المدن تغرق في كميات أمطار موسمية تهطل في سيريلانكا أو إندونيسيا في يوم واحد ولا تغرق شارعًا واحدًا، والمطارات والجامعات تتشقق وتسرب المياه والأنفاق تتحول إلى بحيرات والشوارع تنقشع طبقاتها الإسفلتية وتمتلئ بالحفر وتحتاج إلى ترميم سنوي، والبضائع الاستهلاكية والأدوية تغش بالجملة والمفرد. هذا كله يحصل بينما لدينا عشرات الألوف من الكفاءات العالية الوطنية العاطلة، أطباء وأطباء أسنان وفنيون ومعالجو كمبيوتر وصيادلة ومهندسون، وقد تحول بعضهم إلى بياع شاي جمر وبليلة وهمبرجر للبقاء على قيد الحياة.
هل كانت مشروعاتنا سوف تنفذ بطرق أسوأ مما حدث لو أننا منذ البدايات الأولى أدخلنا شبابنا من الجنسين في التنفيذ بمرتبات مجزية أيام كنا نملك الأموال؟، لا أعتقد، ولقد كنا أيضًا راكمنا خبرات كافية من خلال الخطأ والتجربة عبر العقود الماضية للاعتماد على النفس.
إعادة النظر الثانية: من 12 مليون مستقدم أجنبي يوجد على الأقل ستة ملايين يؤدون أعمالاً لا تحتاج إلى أكثر من القراءة والكتابة والتدريب لأسابيع قليلة، وهي تتركز في الاقتصاد الاستهلاكي والخدماتي. في هذا الموضوع حبرت الصحف وجفت الأقلام وبحت الأصوات لكن التحالف النفعي بين الفساد والعمالة المستقدمة تحول إلى سلطة رابعة.