د. محمد عبدالله الخازم
عندما تحل الطوارئ تصدمنا الأسوار والحواجز والبوابات فنعيد كلاماً قلناه مراراً.. ومن طوارئ الشتاء التي تخيف مدننا تصريف الأمطار وليست الأمطار ذاتها مشكلة، بل خير وبركة لو أجدنا التعامل معها. مم تخشى جامعاتنا عندما تضع الأسوار حول مقراتها، والسؤال يمتد للمدرسة وللمركز الصحي وللبلدية وكثير من المؤسسات...؟
هل هي أسوار تحميها أم أسوار تعزلها؟
السور حجب المياه داخله فغرقت الجامعة، رغم كثرة الأودية حولها.. الجامعة تعالت على واديها وبيئتها...
في الحقيقة لا أدري هل هو تعالي الجامعة عن ماحولها، أم دنوها عن فهم رسالتها نحو بيئتها ومجتمعها...؟!
أسوار وبوابات وحراس حول جامعاتنا تعبر عن ثقافتنا في بناء الشبوك. ربما هو فكر كبار ملاك العقار يجعلهم يحيطون الجامعة والمدرسة والمركز والدائرة الحكومية بشبك مزخرف يحجب الانسجام مع البيئة ويحجب التفاعل مع المجتمع ويحجب الفكر ويحجب المطر ويحجب سوء الإدارة ويحجب أمورا أخرى..
حتى وقت الخطر يخاف مسؤول الجامعة كسر الحاجز ليخرج خير المطر للبراري الوساع.. ربما هو يخشى كسر حاجز الصمت الذي اعتاده .. أو يخشى اتخاذ القرار كما عودنا .. أو يخشى أن يتسخ ثوبه بالنزول للميدان...!
سؤال عريض كررته مراراً؛ لماذا الأسوار حول الجامعات والمدارس والمستشفيات والبلديات والوزارات... أهي رمزية عدم الثقة في المجتمع .. أهي رمزية القداسة التي تنشدها كل مؤسسة؛ تحدد من يستحق دخولها أو لا.. أهي رمزية العزلة وعدم التفاعل مع المجتمع المحيط.. أهي رمزية حب التملك؛ كل جهة تقول هذا ملكي لا تقربوه دون ترتيب مسبق.. أهي رمزية ثقافة المرعى والمزرعة والذئب، حيث الأسوار تمنع خروج الخراف للخارج وتمنع دخول الذئاب للحضائر..!
يضحكني أحيانا سماع حصول جامعة على تصنيف متقدم، فأقول لو كانت جهات التصنيف تفحص الأسوار لاستبعدت جامعاتنا من قوائمها! الجامعة ليست مجرد معمل معزول أو بحث منشور أو قاعة لا يصلها الطالب سوى بعد المرور عبر السور والباب والحارس...
المطر لم يفضح شوارعنا التي حاولنا صرف مياهها ضد الطبيعة، حتى غرقت مدن على قمم الجبال العالية؛ مدن يعرف المطر طريقه فيها عبر آلاف السنين، قبل أن نأتي ونغرقها بخططنا البلدية. المطر فضح أسوارنا وأرصفتنا المختلفة!
إلى مسؤولي الجامعات والتعليم؛ أبعدوا الخوف من قلوبكم..أهدموا الأسوار، أغرسوا الثقة في الأجيال القادمة. كونوا جزءا من محيطكم.. تفاعلوا مع بيئتكم.. مع مجتمعكم.. اتركوا مجالاً للنهر يجري وللمطر يسري وللفكر يثري..
أو ارفعوا أسواركم وجودوا بناءها فخير لنا، أن لا نراكم، من رؤيتكم بنصف عين ونصف علم ونصف فكر...!
استعينوا بمقاولي الأسوار الأشاوس واتركوا مايقوله الثرثارون (المتفلسفون) أمثالنا.. الذين لم يدركوا مبررات غرق (أفضل) جامعاتنا (البترولية) ويصرون أن سببها فلسفة «السور والباب والحارس»...