د. محمد عبدالله العوين
أكد معالي وزير الإسكان ماجد الحقيل أن مبلغ 240 مليار ريال الذي خصصه الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - للإسكان موجود لدى مؤسسة النقد، وسيستفاد منه في مشروعات الوزارة.
نحمد الله تعالى على وفرة الخيرات في وطننا العزيز، وأنه حتى مع تراجع أسعار النفط وتباطؤ الحركة الاقتصادية العالمية وحدوث ما يشبه الركود الاقتصادي في العالم؛ إلا أن بلادنا تسير في خططها وفق الظروف الراهنة بحكمة وعقلانية.
لا بد من التذكير بأن مشروعات الإسكان لن تخرج بناء جاهزا في مدن سكنية متكاملة الخدمات بضغطة زر من الوزير؛ فيسبق ذلك تهيئة الأراضي المناسبة لإنشاء المدن السكنية فيها، ثم وضع التصاميم المناسبة لكل منطقة حسب شدة وكثافة الاحتياج ونسبة السكان، ثم عرض المشروعات على شركات البناء؛ لتنهض كل واحدة منها بمهمة من مهمات مشروع الإسكان، فبالإضافة إلى احتياجات المبنى ثمة احتياجات الخدمات الضرورية للمدينة أو للحي السكني؛ كالطرق والسفلتة والإنارة والتشجير والحدائق والهاتف والماء والمساجد والمدارس والمستشفيات أو المراكز الطبية ونحوها.
مهمة ثقيلة لا شك تقتضي صبرا وطاقة هائلة على المتابعة لضمان جودة التنفيذ على الأصول الفنية والشروط المتفق عليها مع الشركات والمؤسسات المنفذة.
لكنني مع كل هذه المقدمة الطويلة أتساءل وبعيدا عن الزمن الذي مر منذ أن خصصت الدولة في عهد الملك عبد الله - رحمه الله - هذا المبلغ الاستثنائي الكبير وتضاف إليه ميزانية وزارة الإسكان في كل عام: لم تظهر الوزارة وكأنها تعاني من الفقر والفاقة؛ فتضع شروطا متشددة - ولا أقول تعجيزية - وتلجأ إلى البنوك المحلية لتمنح المواطنين نصف القرض، بحيث تحتمل وزارة الإسكان نصف المبلغ والنصف الثاني يستدينه المواطن من البنك بضمان الوزارة الذي لم يخل من شروط ومواصفات متعنتة في بعض نقاطها؟!
إن هذه المليارات مع ميزانيات الوزارة الكبيرة خلال السنوات الماضية إلى الآن كفيلة ببناء مدن كاملة متوافرة الخدمات على أرفع وأرقى نموذج عالمي؛ فلم تدفع المواطنين إلى البنوك لأخذ قرض بفائدة يرتبط معهم لمدة عشرين عاما أو يزيد، وهي قادرة على أن تمول جميع المحتاجين إلى السكن في جميع مدن المملكة بقروض كاملة ميسرة أو ببناء مساكن وتسليمها جاهزة للمواطنين دون اللجوء إلى طلب عون أو إنقاذ من البنوك؟!
ولو افترضنا أن المحتاجين للسكن في المملكة عشرون مليونا وقدرت الوزارة - مثلا - الكلفة المتوقعة لبناء سكن متوسط المساحة والتكاليف بثلاثة ملايين ريال لأصبح إجمالي تكاليف إسكان عشرين مليون مواطن ستين مليار ريال فقط (إن لم أخطئ في الحساب) ويضاف إليه مشروعات الخدمات الأخرى الضرورية التي أشرت إليها وتكاليفها مضمونة في المبلغ الكبير.
ليست المشكلة التي تعيق سرعة إنجاز مشروعات السكن للمواطنين في نقص المال؛ فالمليارات 240 مرصودة لهذا الغرض الوطني النبيل الذي أولته الدولة عنايتها؛ فأين يكمن السر في تأخر الإنجاز منذ أن رصد ذلك المبلغ إلى الآن؟ أو الإعلان عن أعداد قليلة من المساكن التي تم بناؤها لا تتناسب مع الميزانية الهائلة المرصودة من الدولة ولا الوقت الذي مضى عليها والمواطنون المحتاجون للسكن في كل مدينة ينتظرون؟
وما دام أن هذا المبلغ الكبير الذي أكد وجوده معالي الوزير في عهدة مؤسسة النقد لصالح وزارة الإسكان وقد ضم إليها الصندوق العقاري؛ فما السر يا ترى في تأخر الدفعات التي تعلن متباعدة محفوفة بالشكوى من تأخر بعض المواطنين عن سداد أقساطهم للصندوق وكأن تسديد الأقساط هو الممول الوحيد للصندوق؟!
لا حاجة لدفع المواطنين إلى الاقتراض من البنوك بشروطها التعسفية، ومبلغ 240 مليار ريال ينام مطمئنا نومة أهل الكهف في حضن مؤسسة النقد!
ولا عذر لتأخر وزارة الإسكان في تنفيذ مشروعاتها بحجة ضعف التمويل ولديها مليارات تبني أفخم المدن على المستوى العالمي!
ولا عذر أيضا للصندوق العقاري في تأخر دفعاته شحها بصورة لا تتناسب وتكاليف البناء في أيامنا هذه!