د. خيرية السقاف
كثرت القباب, تلوّنت وتزخرفت,
وتاه في ردهات باطنها من صنعها..
قباب الكلام, وحشر الأنوف,
وفعل رقص الكتوف, وغفلة القلوب عن الحتوف..!!
كانت «عجائز» القوم تردد: «يصنع من الحبَّةِ قبة»
وهؤلاء الصانعون من الحبة قبة هم, المبالغون في النقل, والشكوى, والشرح, وتغيير المواقف, وتمليح العرض, والمسح باللون, والزبدة, والزيت, والطيب على ما يقولون, ولف كلامهم بالأوراق الصقيلة, والناعمة, وشرائط الحرير والسلوفان, وتعطير مراوغاتهم بالورود, وشميم الزهور!!
وهم من يفعلون ذلك أيضاً في أعمالهم, وعلاقاتهم, ..
هؤلاء يكذبون, ويبهِّرون كذبهم,
يمدحون, ولا يراعون عدسات من حولهم,
يُلمِّعون أنفسهم, يضيفون, يدَّعون, يغشون, يضاعفون, يسرقون, يبهتون, يتلونون, يتطفلون, يتملقون, يتناكبون..
حتى وهم يكرهون يبررون كرههم,
حتى وهم يتنافسون يوجدون أسبابهم ليهمشوا سواهم,
حتى وهم يسعون لغاياتهم يذلّلون لها السبل بوصوليتهم,
يفعلون كل هذا, أو شيئاً منه وهم يصنعون لكل قبة عالية, واسعة من حبةٍ سلالم َ من التبرير, والتمرير, والإقناع, والمبالغة, والتسويف, والتجاهل, والإنكار,
فلكل مبرر لأكاذيبهم لديهم سلم, وطريق, وطريقة!!..
حتى في أعمالهم بألوان أكاذيبهم, وزخارفها, ومجمِّلاتها, ومسوغات قبولها يصنعون قباباً من الأكاذيب, والمبالغات, وبليغاً من التجويفات, والأخاديد, والفراغات!!
ليت القائلات «يصنع من الحبة قبة» قد حضرن هذه الحقبة, المزيج غير المتجانس في خلاصة الدائرة, لوجدن في المباني الشاهقات, والأراضي الواسعات, ومدى الفضاءات السعة مشرعة للقباب التي يصنعها المتكلمون في الساعة بعدد ثوانيها, والغازلون الأكاذيب على مدار ما يتحركون,!!..
هم ينتشرون كأسراب الجراد, أو قل كالجراثيم في مجاري الدماء, و»الفيروسات» في الفضاءات, يحشرون أنوفهم في كل أمر, منهم الممعن في القول, والمتجاوز في الفعل, وإن كان على بينة مما يقول, ووعي بما يفعل, لكن تراوده مصالحه, وتطغى عليه نفسه, ومنهم المسرف في القول, المفرط في الفعل, وإن كان على جهل بما يقول, أو عجز عن الفعل, لكن تظلمه سذاجته, أو بطانته, لكنهم جميعهم صنّاع قباب..
أما البقية النزهاء, الصادقون, النقيون, المعتدلون, الواقعيون, المنطقيون, البناؤون, الخلَّص, المتحررون من أمراض الذات, وشهوة الرغبات, المعتدلون الحاجات, المكتفون بمكاسب الذات, الحاملون أزاميل الحق, المترفعون عن الوحل, الحارثون في نقاء, الشاربون من عذب, الراضون بسلامة الحبَّة, فإنهم كثيرون, كثيرون ينتشرون, بهم تجمل الحياة,
لولا أن قباب أولئك تصد عنهم الشمس, تمنع عنهم الهواء النقي,
لأسعدوا الحياة بهم, ولصلحت الدنيا, وسعدت..